للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع كلمة الأندلس تحت لواء قومي جديد، والذود عما بقى من أراضيها وقواعدها ضد تيار الفتح النصراني، وكان الانحلال المؤلم الذي انتهت إليه الأندلس في أواخر عهد الموحدين، وتراخى الموحدين في الدفاع عنها، واهتمامهم بشئونهم الخاصة، واتخاذهم من الأندلس أداة للتطاحن والمساومة مع النصارى، تحقيقاً لمطامعهم الخاصة - كان ذلك كله مما يسبغ على حركة ابن هود ودعوته قوة، ورجحانا، ولكن ابن هود لم يكن بصفاته وموارده كفؤا للمهمة العظيمة، التي اضطلع بها، وكانت تعتور جهوده نفس المثالب القديمة، التي كانت تصدع دائماً من جهاد الزعماء الأندلسيين، والتي كانت تجتمع في مصانعة النصارى، ومساومتهم على حساب المصالح القومية. ولم يكن ابن هود أيضاً بالرغم من إخلاصه لقضية الأندلس، يتمتع بمثل تلك المواهب اللامعة التي كان يتمتع بها زميله ومنافسه محمد بن الأحمر، من الروية والدهاء وحسن السياسة، بل كان بالعكس حسبما يخبرنا ابن عذارى، بطبعه ملولا عجولا. وكان شجاعاً كريماً وفياً، متوكلا على الله، ولكنه كان قليل المبالاة بالأمور محدود الأفق، غير موفق في آرائه وخططه لتسرعه وغلبة الخفة عليه، ولقائه أعداءه دون روية واستعداد، فكان ذلك مما يعوق نجاحه في أحيان كثيرة (١).

وإذا كانت الرسائل السلطانية، تلقى من جهة أخرى ضوءاً خاصاً على أخلاق ابن هود وسياسته، فإنا نستطيع أن نقول إنه كان يتجه في حكمه إلى توطيد العدل وقمع الظلم، والرفق بالرعية، وذلك بالاستناد إلى رسالته التي وجهها في سنة ٦٣٤ هـ، إلى الولاة، يوصيهم فيها بالمحافظة على أحكام الشريعة، وتوخى الحق، والعمل على صون الدماء، والتحوط ضد قتل المسلم، وعزل العمال الظلمة غير الأمناء، وأن تطبق المساواة في الحق على الجميع (٢)، وكذلك بالاستناد إلى رسالة أخرى كتبها عنه أبو عبد الله بن الجنان، إلى أحد ولاة المدن، يقول فيها إنه وقف على كتابه في طلب تحصين هذه المدينة وتأمينها، وأنه مع موافقته على ذلك، يهيب به أن برفع ما يقع بالناس من الحيف وضرر الخدمة، وأنه لابد من اتباع الرفق مع الناس، وإيثار العدل في معاملتهم (٣).


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٧٠، وأعمال الأعلام لابن الخطيب ص ٢٧٨.
(٢) تراجع هذه الرسالة في البيان المغرب ص ٣٣٢ - ٣٣٥.
(٣) تراجع هذه الرسالة في صبح الأعشى ج ٧ ص ٣٤ و ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>