للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان لوفاة ابن هود وقع عميق في الأندلس، ولاسيما في الشرق مركز دعوته ومثوى رياسته. ولما وصل نبأ وفاته إلى مرسية، اجتمع أهلها على مبايعة ولده وولي عهده أبي بكر بن محمد بن يوسف بن هود، وكان أبوه قد اختاره حسبما تقدم لولاية عهده منذ سنة ٦٢٩ هـ، ولقبه بالواثق، وأطاعته بلاد الشرق التي كانت تحت طاعة أبيه (١).

ويقول لنا ابن الأبار من جهة أخرى، إنه لما توفي ابن هود، كان على رياسة مرسية أخوه علي بن يوسف الملقب بعضد الدولة (٢). وعلى أي حال فإن رياسة بني هود لمرسية، لم يطل أمدها، حسبما نفصل بعد في موضعه.

وأما في غربي الأندلس فقد كان لاختفاء ابن هود من الميدان صدى كبير في إشبيلية وكان من أثره أن وقع بالمدينة تحول جديد خطير، بعودها إلى طاعة الموحدين. ففي شوال سنة ٦٣٥ هـ، أعلن أهل إشبيلية، بزعامة أبي عمرو بن الجد طاعتهم للخليفة أبي محمد عبد الواحد الرشيد، وقدموا للولاية عليهم أبا عبد الله بن السيد أبي عمران، وكان قد لجأ مع أخويه أبي زيد وأبي موسى إلى إشبيلية، بعد أن قتل والدهم السيد أبو عمران في إفريقية، وأقاموا بها في ظل ابن هود. وسار إلى مراكش وفد من أهل إشبيلية ليقدم بيعتها إلى الخليفة، وأقر الخليفة السيد أبا عبد الله على ولايتها. وحدث مثل هذا التحول في ثغر سبتة، وكانت قد خلعت طاعة الموحدين منذ سنة ٦٣٠ هـ، فلما مر وفد أهل إشبيلية في سفنه بها في طريقه إلى مراكش، قام أهلها أيضاً بإعلان طاعتهم للخليفة الرشيد، وبعثوا إلى مراكش وفداً لتقديم بيعتهم. وكان لهذا التحول الذي وقع بعود إشبيلية وسبتة، إلى طاعة الدولة الموحدية، رنة فرح واستبشار في مراكش، وأحيط مقدم الوفدين الإشبيلي والسبتى إلى الحاضرة بأعظم مظاهر الترحاب والتكريم، ومما زاد في ارتياح البلاط الموحدي، ما قام به أهل إشبيلية من القبض على عمر بن وقاريط زعيم هسكورة السابق، الثائر على الدولة الموحدية، وإرساله إلى المغرب، وكان بعد هزيمته، قد لجأ إلى إشبيلية، في ظل ابن هود (٣). وسوف نعود إلى تفصيل ذلك في موضعه المناسب.


(١) البيان المغرب ص ٣٧٧.
(٢) الحلة السيراء ص ٢٥٠.
(٣) البيان المغرب - ص ٣٣٧ و ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>