وهكذا كانت ترتسم باستيلاء ابن الأحمر على غرناطة وألمرية ومالقة، حدود المملكة الإسلامية الجديدة، التي شاء القدر أن يكون هو منشؤها في شبه الجزيرة الأندلسية، والتي غدت غرناطة، مذ نزل بها، قاعدتها وحاضرتها. وكانت هذه الدولة الإسلامية الجديدة، وهي التي اجتمعت في ظلالها، أشلاء الأندلس المنهارة، والتي انكمشت أطرافها فيما وراء نهر الوادي الكبير جنوبا وشرقا، تحتل رقعة متواضعة، تمتد من جيّان وبياسة، وإستجة، جنوبا حتى البحر، وشرقا حتى ألمرية وبيرة، وغربا حتى مصب الوادي الكبير، ويخترقها من الوسط نهر شَنيل، ثم جبال سييرّا نفادا وهضبات البشرّات. على أن هذه المملكة الصغيرة وهي الدولة النصرية أو مملكة غرناطة، آخر دول الإسلام بالأندلس، كانت بالرغم من صغر رقعتها، وبالرغم من مواردها المحدودة، جديرة بأن ترث تراث الأندلس الكبرى، وقد شاء القدر أن تبقى في شبه الجزيرة الإسبانية، زهاء مائتين وخمسين عاما أخرى، مستودعا لعبقرية الأمة الأندلسية، وعلومها وفنونها، تحمل مشعل حضارتها وضّاء، في تلك الأوطان الأندلسية القديمة، وتضطلع في نفس الوقت، بذلك الكفاح القديم الخالد، ضد إسبانيا النصرانية، إلى أن تلقى مصرعها في النهاية أبية كريمة شهيدة.
وبالرغم من توطد أمر ابن الأحمر، وتمكن سلطانه في الأقاليم الوسطى والجنوبية، فإنه لبث مدى حين يشعر بأنه مازالت تنقصه صفة الرياسة الشرعية. وقد رأينا فيما تقدم كيف عقد الصلح مع المتوكل ابن هود، واعترف بطاعته (٦٣١ هـ). فلما توفي ابن هود، اتجهت أنظاره إلى الانضواء تحت لواء الدولة الموحدية، وذلك بالرغم من انهيار سلطانها بالأندلس، وأعلن بيعته للخليفة الرشيد، وأخذ له البيعة على أهل غرناطة ومالقة وجيان وسائر البلاد التي كانت تحت طاعته، وبعت إلى الرشيد ببيعته، وذلك في سنة ٦٣٧ هـ (١٢٣٩ م). فتقبلها الرشيد بالشكر والرضى (١). واستمر على طاعته للخلافة الموحدية طوال خلافة الرشيد، وقنع الرشيد منه بالدعاء في الخطبة. ولكنه لما توفي الرشيد سنة ٦٤٠ هـ، قطع دعوة الخلافة الموحدية، واتجه إلى الدولة الحفصية بإفريقية، وأعلن طاعته للأمير أبي زكريا الحفصى، وبعث ببيعته إلى تونس مع أبي بكر بن عياش شيخ مالقة، وأبي جعفر التنزولى، فبعث