للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه الأمير أبو زكريا قدراً كبيراً من المال برسم المعاونة على الجهاد (١). واستمر ابن الأحمر على طاعته للدولة الحفصية ردحا طويلا من الزمن، وجدد بيعته بعد ذلك للأمير المستنصر ولد الأمير أبي زكريا، وذلك في سنة ٦٦٤ هـ، وبعث إليه المستنصر بطريق البحر هدية وأموالاً (٢).

ولبث محمد بن الأحمر يعمل بهمة وإقدام، على توسيع مملكته وتوطيد سلطانه، ولكنه كان يشعر دائما بخطر النصارى، ويرقب حركات فرناندو الثالث ملك قشتالة في توجس وحذر. والواقع أن سائر القواعد الوسطى، ولاسيما جيان وأحوازها، قد أضحت منذ سقوط قرطبة، تحت رحمة القشتاليين. وكان فرناندو الثالث قد بعث بالفعل جيشاً بقيادة ولده ألفونسو، فعاث في منطقة جيان، واستولى على حصن أرجونة، موطن ابن الأحمر وقومه (بني نصر)، وعدة حصون ومواضع أخرى من أملاك ابن الأحمر، ثم زحف القشتاليون جنوبا صوب غرناطة ذاتها، وضربوا حولها الحصار، ولكنهم ردوا عن أسوارها بخسارة فادحة، وذلك في سنة ٦٤٢ هـ (١٢٤٤ م). وفي العام التالي عاد القشتاليون فزحفوا على مدينة جيان وحاصروها، ولكنها صمدت ضدهم مرة أخرى.

فلما رأى ابن الأحمر تفاقم عدوان القشتاليين، وخطورة اندفاعهم نحو أراضيه، وأيقن أنه من العبث أن يبدد موارده وقواه في صراع لا تؤمن عواقبه، عول على أن يسلك سبيل المصانعة والتقرب من ملك قشتالة، وأن يشترى سلامه وسلام مملكته، بمهادنته والخضوع له. وقد لخصت لنا الرواية الإسلامية مجمل هذا الصلح، الذي عقد بين ابن الأحمر وبين ملك قشتالة، وذلك في أواخر سنة ٦٤٣ هـ (فبراير ١٢٤٦ م)، وخلاصته أن يعقد الصلح بينهما لمدة عشرين سنة، وأن يسلم ابن الأحمر لملك قشتالة مدينة جيان، وما يلحق بها من الحصون والمعاقل، وأن ينزل له عن أرجونة وبيغ والحجار وقلعة جابر وأرض الفرنتيرة، ولم تدخل في هذا الصلح مدينة إشبيلية، ولا مدينة شريش (٣). وتزيد الرواية النصرانية على ذلك إن ابن الأحمر اعترف بمقتضى هذه المعاهدة بالطاعة لملك قشتالة على سائر ما يحكمه من الأراضي، وتعهد بأن يؤدي إليه جزية سنوية قدرها مائة وخمسون ألف


(١) البيان المغرب ص ٣٥٦.
(٢) الذخيرة السنية ص ١٢٥.
(٣) البيان المغرب ص ٣٦٧، والذخيرة السنية ص ٧٢ و ٧٣، وابن خلدون ج ٧ ص ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>