للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن ابن الأحمر قد أخذ على ضوء هذه الحركة، يدرس وسائل المقاومة والصمود في وجه العدوان القشتالي. وكان تطور الحوادث في الأندلس شرقيها وغربيها، وتفاقم محنتها، وتوالى سقوط قواعدها في أيدي العدو، قد أخذ يحدث صداه قويا في الضفة الأخرى من البحر، في المغرب، حيث أخذ نجم الدولة المرينية يتألق، وتبدو ضخامة حشودها وقواتها ومواردها، مشجعة على الالتجاء إليها، وطلب إنجادها وغوثها. وكانت النجدات الأولى من متطوعي بني مرين قد أخذت تعبر إلى شبه الجزيرة، وفي مقدمتها جملة يقودها عامر بن إدريس بن عبد الحق، نزلت مدينة شريش وأخرجت النصارى من قصبتها (أواخر ٦٦٢ هـ). وقامت في داخل المغرب حركة قوية للحث على إنجاد الأندلس وتداركها، قبل أن يفوت الوقت ويتم العدو القوي الإجهاز عليها، واشترك في هذه الحركة شعراء نظموا القصائد المبكية مثل أبي الحكم مالك بن المرحل، وعلماء أدباء توجهوا برسائلهم البليغة، مثل أبي القاسم العزفي صاحب سبتة (١). بيد أنه كان لابد أن تمضي بضع سنوات أخرى حتى تؤتى هذه الحركة ثمارها العملية، ويعبر بنو مرين بقواتهم الجرارة إلى شبه الجزيرة.

وفي تلك الأثناء كان ابن الأحمر يعانى من عدوان القشتاليين وغاراتهم المتوالية. فلما تفاقم أمر هذه الغزوات، وزحف القشتاليون على غرناطة للمرة الثانية (٦٦٤ هـ) ورأى ابن الأحمر أنه عاجز عن رد هذا البلاء، اضطر أن يتقدم خطوة أخرى، في سبيل طلب المهادنة والسلم، وأن يبذل لتحقيق هذه الغاية مزيداً من التضحية، فعقد مع ألفونسو العاشر ملك قشتالة في أواخر سنة ٦٦٥ هـ (١٢٦٧ م) معاهدة صداقة وسلم جديدة، نزل له بمقتضاها عن عدد كبير من البلاد والحصون، منها شريش والمدينة (مدينة شذونة) والقلعة وغيرها، وقيل إن ما أعطاه ابن الأحمر بمقتضى هذا الصلح لملك قشتالة من البلاد والحصون الإسلامية المسورة، بلغ مائة وخمس من بلاد غرب الأندلس (٢).

وقد أذكى هذا الانهيار الفادح لصرح الوطن الأندلسي، وما أصابه من فقد معظم قواعده التالدة، في نحو ثلاثين عاما فقط، لوعة الشعر والأدب، ونظم شاعر العصر، أبو الطيب صالح بن شريف الرندي، مرثيتة الشهيرة في رثاء الأندلس، وبكاء قواعدها الذاهبة، وهي قصيدة ماتزال إلى يومنا تهز أوتار القلوب أسى، وهذا مطلعها:


(١) راجع كتابى " نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين "، الطبعة الثانية ص ٤٠ و ٤١.
(٢) الذخيرة السنية ص ١٢٥ و ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>