للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكل شىء إذا ما تم نقصان ... فلا يُغر بطيب العيش إنسان

هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته أزمان (١)

وقضى محمد بن الأحمر الأعوام الستة الباقية من حكمه، في توطيد مملكته وتنظيم شئونها، وتوفي في التاسع والعشرين من جمادى الثانية سنة ٦٧١ هـ (ديسمبر ١٢٧٢ م) عقب جرح أصابه في معركة خاضها ضد جماعة من الخوارج عليه، وقد قارب الثمانين من عمره.

وكان هذا الرجل العبقري، مؤسس مملكة غرناطة، آخر دول الإسلام بالأندلس، يتمتع بخلال باهرة، من الشجاعة والإقدام، والمقدرة، وشغف الجهاد، هذا إلى جم البساطة والتواضع. ويقدم إلينا ابن الخطيب مؤرخ الدولة النصرية عنه وعن خلاله هذه الصورة المؤثرة: " كان هذا الرجل آية من آيات الله في السذاجة، والسلامة والجمهورية، جنديا، شهماً، ثغريا أيداً، عظيم التجلد، رافضاً للدعة والراحة، مؤثراً للتقشف، والاجتزاء باليسير، متبلغاً بالقليل، بعيداً عن التصنع، جافى السلاح، شديد العزم، موهوب الإقدام، عظيم التشمير، محتقراً للعظمة، مصطنعاً لأهل بيته، فضاً في طلب حظه، حاميا لقرابته وأقرانه وجيرانه، مباشراً للحروب بنفسه، تتغالى الحكايات في سلاحه وزينة ديابوزه، يخصف النعل، ويلبس الخشن، ويؤثر البداوة، ويستشعر الجد في أموره " (٢).

وقد رأينا أن نكتفى هنا بما تقدم من الشذور الموجزة عن قيام مملكة غرناطة، وعن حياة منشئها العبقري محمد بن الأحمر. ذلك أننا قد سبق أن تناولنا قصة مملكة غرناطة، وقصة بنائها كاملة، في كتابنا " نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين "، وكان جل غايتنا في كتابنا الحالى أن نصل بتاريخ الأندلس إلى حيث بدأنا بتاريخ مملكة غرناطة.


(١) راجع هذه القصيدة بأكملها في الذخيرة السنية ص ١٢٧ - ١٢٩، وفي نفح الطيب ج ٢ ص ٥٩٤ و ٥٩٥، وفي أزهار الرياض ج ١ ص ٤٧ - ٥٠. وراجع كتابى " نهاية الأندلس " ص ٥٣ هامش. وفي ترجمة الرندي ص ٤٣٨ و ٤٣٩.
(٢) كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة (المطبوع) ج ٢ ص ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>