فطن إلى أهبة هذا الحصن، وخطورة سقوطه في أيدي النصارى، فأمر بهدمه، ولكن الملك خايمى أصر مع ذلك على احتلال موقعه، فسار في جيشه من قلعة أيوب، ومعه السيد أبو زيد أمير بلنسية المتنصر، وهاجم أنيشة وهزم المسلمين الذين تصدوا لمقاومته، واحتل المكان، وابتنى فوق نفس الربوة حصناً جديداً منيعاً، ووضع به حامية عهد بقيادتها إلى خاله دون برناردو دي انتنزا، واتخذ الأرجونيون من هذا الحصن قاعدة للعيث والإغارة في مختلف نواحي إقليم بلنسية. وشعر زيّان بخطر وجود الحامية الأرجونية في هذا المركز الدقيق المهدد لسلامة المدينة، فصمم على انتزاعه من أيديهم، وحشد جيشاً قوياً تقدره الرواية النصرانية بستمائة فارس وأربعين ألف راجل، وهو تقدير واضح المبالغة، وسار في قواته نحو تل أنيشة، ونشبت بين المسلمين والأرجونيين في ظاهر أنيشة معركة عنيفة، قاتل الفريقان فيها بشجاعة، وانتهت بأن أصيب المسلمون بهزيمة فادحة، وقتل منهم جملة كبيرة، وكان بين القتلى عدد كبير من علماء بلنسية ووجوهها وصلحائها، وفي مقدمتهم كبير علماء الأندلس ومحدثيها يومئذ، أبو الربيع سليمان بن موسى ابن سالم الكلاعى، وهو فوق علمه وأدبه الجم جندى وافر الشجاعة والجرأة، كان يشهد معظم الغزوات، ويشترك في القتال، وكان في موقعة أنيشة يتقدم الصفوف، وهو يقاتل بشجاعة، ويحث المنهزمين على الثبات، ويصيح بهم " أعن الجنة تفرون " حتى قتل. ورثاه ومن سقط معه، من علماء بلنسية، وهم نحو سبعين، تلميذه الكاتب المؤرخ، أبو عبد الله بن الأبار القضاعى، وكان إلى جانب مخدومه الأمير زيان في الموقعة، بقصيدته الشهيرة التي مطلعها:
وعوجا عليها مأربا وحفاوة ... مصارع غصت بالطلى والجماجم
تحيي وجوها في الجنان وجيمة ... بما لقيت حُمراً وجوه الملاحم
ووقعت نكبة أنيشة في يوم الخميس عشرين من ذي الحجة سنة ٦٣٤ هـ (١٤ أغسطس سنة ١٢٣٧ م). وكانت هزيمة المسلمين الفادحة فيها على هذا النحو
= المقري (نفح الطيب ج ٢ ص ٥٨٤) ويسميه ابن خلدون " أنيسة " (ج ٦ ص ٢٨٣) والغزيري أنيشة (الفهرس ج ٢ ص ١١٥). وتسميه الرواية الإسبانية Puig de Cebolla ( تل البصل). أو Puig de Sta Maria ( تل شنتا مارية).