رسله إلى القواعد الإسلامية القريبة في طلب النجدة والإمداد. وكان رسوله إلى مرسية الفقيه المتصوف محمد بن خلف بن قاسم الأنصارى (١). بيد أن زيان لم يقف عند هذا الاستمداد المحدود. ذلك أنه في تلك الآونة العصيبة، قد اتجه وجهة أخرى أوسع آفاقاً وأجدى أملا، اتجه إلى إخوانه المسلمين، في الضفة الأخرى من البحر، ولم يكن ذلك الاتجاه يومئذ إلى أولئك الموحدين، الذين عبروا البحر قبل غير مرة لإنجاد الأندلس، إذ كانت دولتهم بالمغرب تجوز مرحلة الانحلال الأخير، ولكن إلى تلك الدولة الفتية، التي قامت في وسط الضفة الأخرى من البحر، إلى دولة بني حفص بإفريقية، وإلى عميدها ومنشئها الأمير أبي زكريا يحيى ابن الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص، وكانت قد أخذت تلفت الأنظار بقوتها وثرائها، واتساع مواردها. وبعث زيان إلى أمير إفريقية سفارة على رأسها وزيره وكاتبه العلامة الشاعر والمؤرخ الكبير أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن أبي بكر بن الأبار القضاعى، يحمل إليه بيعته وبيعة أهل بلنسية، وصريخه بسرعة الغوث والإنجاد قبل أن يفوت الوقت. ولما وصل ابن الأبار إلى تونس، مثل بين يدي سلطانها الأمير أبي زكريا الحفصى، في حفل مشهود، وألقى قصيدته السينية الرائعة التي اشتهرت في التاريخ، كما اشتهرت في الشعر، يستصرخه فيها لنصرة الأندلس ونصرة الدين، وهذا بعض ما جاء فيها:
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا
وهب لها من عزيز النصر ما التمست ... فلم يزل منك عز النصر ملتمسا
وحاش مما تعانيه حشاشتها ... فطال ما ذاقت البلوى صباح مسا
يا للجزيرة أضحى أهلها جزرا ... للنائبات وأمسى جدّها تعسا
في كل شارقة إلمام بائقة ... يعود مأتمها عند العدا عرسا
وكل غاربه إجحاف نائبة ... تثنى الأمان حذاراً والسرور أسى
تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم ... إلا عقائلها المحجوبة الأنسا
وفي بلنسية منها وقرطبة ... ما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا