حتى ثغر بُنُشكلة الصغير، الواقع شمالي قسطلونة، ولكن هذه المحاولة لم تنجح أيضاً لظهور السفن الأرجونية، واضطرار السفن التونسية إلى الإقلاع صوب الجنوب، وانتهى الأمر بأن أفرغت السفن التونسية شحنتها في ثغر دانية، بعيداً عن الثغر المحصور، ثم أقلعت عائدة إلى إفريقية ومعها المال إذ لم يحضر من قبل الأمير زيان من يتسلمه. وهكذا فشلت هذه المحاولة التي نظمت لإمداد المدينة المحصورة وإنجادها، وتركت بلنسية لمصيرها.
وهنا ضاعف النصارى جهودهم في التضييق على المدينة، وإرهاقها. وبينما كان أهل بلنسية، يعانون الحرمان والجوع داخل مدينتهم، كان النصارى في سعة تأتيهم المؤن من البحر بانتظام. وكان النصارى يضربون المدينة، وأسوارها ْوأبراجها، بالآلات الثقيلة باستمرار، والبلنسيون مع كل هذا البلاء يخرجون لمقاتلة النصارى، وتنشب المعارك الكثيرة بين الفريقين. وفي إحدى هذه المعارك أصيب الملك خايمى بجرح في رأسه. واستمر الحصار المرهق على هذا النحو زهاء خمسة أشهر، من أبريل حتى أوائل سبتمبر، حتى فنيت الأقوات، وعدمت الموارد، واشتد البلاء بأهل المدينة، وثلمت الأسوار والأبراج في غير موضع، وعندئذ رأى وجوه المدينة وعلى رأسهم الأمير زيان، بأنه لا مفر من التسليم قبل أن يفوت الوقت، ويقتحم النصارى المدينة، فبعث بابن أخيه أبي الحملات ليفاوض ملك أراجون في شروط التسليم. واتفق الفريقان على أن تسلم المدينة صلحاً. وإليك كيف يصف لنا ابن الأبار، وقد كان شاهد عيان، ما تلا ذلك من لقاء بين الأمير زيان والملك خايمى، ومن إبرام شروط التسليم بينهما، وذلك في يوم الثلاثاء السابع عشر من صفر سنة ٦٣٦ هـ. قال:
" وفي هذا اليوم خرج أبو جميل زيان بن مدافع بن يوسف بن سعد الجذامى من المدينة، وهو يومئذ أميرها، في أهل بيته ووجوه الطلبة والجند، وأقبل الطاغية، وقد تزيا بأحسن زى في عظماء قومه، من حيث نزل بالرصافة أول هذه المنازلة، فتلاقيا بالولجة، واتفقا على أن يتسلم الطاغية البلد سلما لعشرين يوماً، ينتقل أهله أثناءها بأموالهم وأسبابهم. وحضرت ذلك كله، وتوليت العقد عن أبي جميل في ذلك. وابتدئ بضعفة الناس فسيروا في البحر إلى نواحي دانية، واتصل انتقال سائرهم براً وبحراً. وصبيحة يوم الجمعة السابع والعشرين من صفر المذكور، كان خروج أبي جميل بأهله من القصر، في