للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم شيعة الأمر وهي الدار قد نهكت ... داء متى لم تباشر جسمها انتكسا

فاملأ هنيئاً لك لتمكين ساحتها ... جردا سلاهب أو خطية دعسا

واضرب لها موعدا بالفتح ترقبه ... لعل يوم الأعادى قد أتى وعسا (١)

وكان لهذه القصيدة المبكية، التي مازالت تحتفظ حتى يومنا برنينها المحزن، والتي كانت كأنها نفثة الأندلس الجريح، أبلغ الأثر في نفس الأمير أبي زكريا الحفصى، فبادر بتجهيز أسطول شحنه بالسلاح والأطعمة والكسى والأموال، يتألف من اثنتى عشرة سفينة كبيرة، وست صغيرة، وعهد بقيادته إلى أبي يحيى ابن يحيى بن الشهيد ابن إسحق ابن أبي حفص الكبير، وتقدر الرواية الإسلامية قيمة ما شحن بهذا الأسطول بمائة ألف دينار من الذهب، وهي قيمة لها خطرها في ذلك العصر (٢). وأقلعت هذه السفن المنجدة على جناح السرعة من ثغر تونس قاصدة إلى ثغر بلنسية ومعها ابن الأبار ورفاقه، وهي رحلة تستغرق عدة أيام.

وكان الأرجونيون في تلك الأثناء قد شددوا الحصار على بلنسية، وحاولوا في البداية، أن يقتحموا الرُّصافة ضاحيتها الجنوبية الشرقية، ففشلت المحاولة، وردهم المسلمون بخسارة كبيرة. وكان المسلمون يخرجون من آن لآخر لمقاتلة النصارى في جماعات صغيرة، ووقعت أعنف معركة من هذا النوع بين الفريقين حول بلدة سليا ضاحية بلنسية الجنوبية، وانتهت باستيلاء النصارى عليها. ولم تمض أيام على ذلك حتى ظهر الأسطول التونسى في مياه بلنسية، واستطاع أن يصل إلى خليج جراو Grao الواقع جنوب شرقي المدينة بحذاء مصب نهر طورية أو نهر الوادي الأبيض Guadalaviar، الذي يخترق بلنسية بعد مصبه بقليل، ولكن المحلة النصرانية كانت تحتل اللسان الواقع بين الخليج وبين المدينة، ومن ثم فإن رجال الأسطول، لم يستطيعوا الوصول إلى المدينة، ولم يستطع أهل المدينة من جهة أخرى، أن يصلوا إليهم، وعندئذ حاولت السفن المسلمة أن تبعث الأمداد إلى أهل المدينة من ناحية الشمال، فسارت شمالا بحذاء الشاطىء


(١) راجعنا ما نقلناه من قصيدة ابن الأبار على نصها المخطوط الوارد في مخطوط الإسكوريال رقم ٥١٨ الغزيري الموسوم بكتاب " زواهر الفكر " وهي طويلة تقع في سبعة وستين بيتاً. وقد نقلها المقري كاملة في نفح الطيب ج ٢ ص ٥٧٨ - ٥٨٠، وكذلك ابن خلدون مع إغفال بعض أبياتها في ج ٦ ص ٢٨٣ - ٢٨٥.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٨٥، والزركشى في تاريخ الدولتين ص ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>