المخزومي، إلى " المنتقلين من أهل بلنسية وجزيرة شقر وشاطبة ومن جرى من ساير بلاد الشرق مجراهم، وعراه من عبر الأيام ما عراهم " يأذن لهم فيه بالنزول في رباط الفتح " وأن يتخذوا مساكنه وأرضه بدلا من مساكنهم وأرضهم، ويعمروا منه بلداً يقبل منهم أولى من قبل، ويحملهم إن شاء الله تعالى، وخير البلاد ما حمل "، وأن " لهم أفضل ما عهده رعايا هذا الأمر العزيز، أدامه الله تعالى من التوسعة على قويهم حى يزداد قوة، والرفق بضعيفهم، حتى ينال يساراً وثروة "، وأن يقومو بحرث أرضه، وغرس كرومه، وأن يتأثلوا الأملاك لأنفسهم وأولادهم وأولاد أولادهم، ولا يطالبوا بغير حقوق الشرع، وأن الأوامر قد صدرت إلى الولاة والعمال بحمايتهم والرفق بهم، وعدم إلحاق الأذى بهم، أو منعهم من تحقيق مآربهم. وقد صدر هذا الظهير، حسبما نوه في بدايته بمسعى ذي الوزارتين الشيخ أبي علي بن أبي جعفر بن خلاص البلنسى. وهو وثيقة ذات أهمية خاصة، تلقى ضوءاً كبيراً على مصاير من شردتهم محنة الانهيار من أهل الأندلس، وما كانوا يلقون في أنحاء العدوة من ضروب المواساة والعطف والترحيب (١)
- ٤ -
لما غادر الأمير أبو جميل زيّان وطنه القديم ومقر رياسته، ورياسة آبائه وأجداده، مدينة بلنسية العظيمة، بعد أن سلمها إلى الملك خايمى الفاتح، سار في آله وصحبه إلى الجزيرة أو جزيرة شُقر، الواقعة جنوبها على ضفة نهر شقر، وسار وزيره ابن الأبار في أهله إلى تونس بعد أن أيقن أنه لا أمل في حياة مستقرة في ربوع الوطن القديم، وأخذ زيان بيعة أهل الجزيرة للأمير أبي زكريا الحفصى صاحب إفريقية، ولكنه ما كاد يستقر بها حتى زحف عليها الأرجونيون وطوقوها لأنها لم تكن داخلة في نطاق الهدنة، التي كانت تشمل فقط دانية وقلييرة، فاضطر زيان إلى التخلى عن الجزيرة للنصارى، وغادرها إلى دانية، ونزل بها وذلك في شهر رجب سنة ٦٣٦ هـ، لبضعة أشهر من تسليم بلنسية، ودعا بها للأمير أبي زكريا الحفصي، وأغضى النصارى مدى حين عن مهاجمة هذا القطاع من إقليم بلنسية. وعرض زيان خلال ذلك على الملك خايمى أن يسلمه حصن لَقَنت على أن يمنحه جزيرة مِنُرقة كإقطاع يحكمها باسمه وتحت طاعته، فاعتذر
(١) وقفنا على نص هذا الظهير في المخطوط المعنون " بزواهر الفكر " المحفوظ بمكتبة الإسكوريال رقم ٥١٨ الغزيري، ورقم ٥٢٠ ديرنبور (لوحة ١١٥ أ - ١١٦ أ)