للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد كان يشرق بالهداية ليله ... والآن أظلم بالظلال نهاره

ودجا به ليلُ الخطوب بصبحه ... أعيا على أبصارنا إسفاره (١)

وجاء في قصيدة طويلة، وجهها بعضهم إلى أمير إفريقية أبي زكريا الحفصي يستنهض همته لنصرة الأندلس، وذلك على أثر سقوط بلنسية:

نادتك أندلس فلب نداءها ... واجعل طواغيت الصليب فداءها

صرخت بدعوتك العلية فأحبها ... من عاطفاتك ما يقى حوباءها

هي دارك القصوى أوت لإيالة ... ضمنت لها مع نصرها إيواءها

تلك الجزيرة لا بقاء لها إذا ... لم يضمن الفتح القريب بقاءها

ومنها في رثاء بلنسية:

ايه بلنسية وفي ذكراك ما ... يجرى الشؤون دماءها لا ماءها

كيف السبيل إلى احتلال معاهد ... شب الأعاجم دونها هيجاءها

والي رُباً وأباطح لم تعر من ... حلل الربيع مصيفها وشتاءها

طاب المعرس والمقبل خلالها ... وتطلعت غرر المنى أثناءها

بأبي مدارس كالطلول دوارس ... نسخت نواقيس الصليب نداءها

ناحت بها الورقاء تسمع شدوها ... وغدت ترجع نوحها وبكاءها (٢)

ونكتفى بهذه المقتطفات النثرية والشعرية التي قيلت في رثاء بلنسية، وإنما أوردناها دليلا على شعور أبنائها بفداحة المحنة، وفداحة آثارها، التي انتهت في أعوام قليلة بسقوط سائر قواعد الشرق في أيدي النصارى.

ولما سقطت بلنسية، وما يليها من القواعد القريبة في أيدي النصارى، نزح الكثير من أهلها إلى قواعد الأندلس الباقية، في الشرق والجنوب والوسط، وعبر في نفس الوقت كثير منهم البحر إلى العدوة، واستقروا في مختلف أنحائها. وقد وقفنا على نص ظهير، أصدره الخليفة الموحدي الرشيد، في الحادي والعشرين من شهر شعبان سنة ٦٣٧ هـ، من إنشاء كاتبه القاضي أبي المطرف بن عميرة


(١) وردت هذه القصيدة وما تقدمها من رسائل في كتاب "الروض المعطار" في مقال " بلنسية " (ص ٤٨ - ٥٢). وقد أورد لنا المقري نص الرسالتين كاملا، رسالة ابن الأبار، ورسالة ابن عميرة في الرد عليها، وذلك في نفح الطيب ج ٢ ص ٥٩٦ - ٦٠١.
(٢) وردت هذه القصيدة الطويلة في نفح الطيب ج ٢ ص ٥٨٩ - ٥٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>