في توجسهم من نقمة ألفونسو، واختاروا للملك برمند (أو برمودو)، وهو ولد لفرويلا وأخ لأروليوس، الذي تولى إمارة البشكنس من قبل. وكان قد هجر الحياة الدنيا إلى عزلة الدير، فتولى الملك على غضاضة منه، ولكنه لم يحكم على ما يظهر إلا في غربي جليقية، حيثما كان يسود نفوذ مورجات، ولبث ألفونسو أميرا على الأنحاء الشرقية. وفي ذلك الحين كان أمير الأندلس هشام بن عبد الرحمن يتأهب لغزو الشمال، فخشى برمند خطر الإنقسام على مستقبل المملكة، وعقد الصلح مع ألفونسو وولاه قيادة الجيش، ولم تمض ثلاثة أعوام حتى ضاق ذرعا بمهام الملك فتنازل عن العرش مختاراً لألفونسو، وارتد إلى حياة الدير والعزلة، وتولى ألفونسو الملك في أواخر سنة ٧٩١ م (١٧٥هـ)(١) باسم ألفونسو الثاني. وبذلك عادت المملكة النصرانية إلى اتحادها مرة أخرى.
وفي أواخر عهد ألفونسو الثاني، الملقب " بالعفيف " el Casto، وقع حدث ديني كان له فيما بعد أثر عميق في توجيه مصاير المملكة النصرانية، هو اكتشاف قبر القديس ياقب، وهو القديس يعقوب أو يعقوب الحواري. وتذكر الأسطورة أنه لما قتل بأمر هيرود الثاني ملك بيت المقدس، حمل تلاميذه جثته في مركب جاز به البحر المتوسط إلى المحيط، ثم حملتهم الرياح شمالا حتى انتهوا إلى موضع في قاصية جليقية، ودفنوا جثمان القديس في سفح تلال هنالك.
ومضت العصور، وغاض القبر ولم يعلم مكانه، حتى كانت سنة ٨٣٥ م، حيث زعم القس تيودمير أسقف إيريا أنه اكتشف القبر، هداه إليه ضوء نجم، وحمل النبأ في الحال إلى الملك، فأمر أن يبني فوق هذه البقعة كنيسة، وذاعت الأسطورة في جميع الأنحاء، وصدقها المؤمنون دون تردد، وهرعوا يحجون إلى البقعة المقدسة، وقامت حول المزار المزعوم مدينة نمت بسرعة، وغدت مدينة شنت ياقب Santiago de Compostela المقدسة، وأنشئت فيما بعد فوق القبر مكان الكنيسة الساذجة كنيسة جامعة (كتدرائية)، غدت من أعظم كنائس اسبانيا ضخامة وروعة وفخامة. وكان لقيام هذه المدينة المقدسة أثر كبير في إذكاء الحماسة الدينية والعاطفية القومية في إسبانيا، وغدا القديس ياقب
(١) ابن الأثير ج ٦ ص ٤٠، وهو يتفق هنا مع الرواية النصرانية في الوقائع والتواريخ وراجع أيضا Aschbach: I.p. ١٨٨-١٩٢