للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها يعرب زيان بعد الديباجة " والرضا عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، الطالع من أنوار الهدايات "، وبعد الدعوات الجمة، عن ولائه وإخلاصه، ويقول: " فلا جرم أن الخادم يطمئن بذلك قلبا ". ثم يبدى شكره على التفات " الحضرة الكريمة "، وأنه تلقى الكتب الكريمة بارتياح، وأنه في سائر أحواله، وجميع أفعاله وأقواله " يهتدى بهدى الحضرة العلية، والانقياد لما أمره به مولاه من النظر في هذه البلاد، عاكفاً على المراسم الكريمة في كل القصد والاعتماد، باذلا مستطاعه في الجد والاجتهاد " وخصوصاً في هذه الأوقات التي اشتدت فيها نكايات الأعداء، ولكنه يؤمل أن الأحوال سوف تصلح. ثم يختتم كلامه بالدعاء. والرسالة صادرة " من مرسية حرسها الله تعالى "؛ ولكن ليس لها تاريخ (١).

على أن زيان لم يتح له أن يجمع سائر الشرق تحت طاعته، فقد خرجت على رياسته أوريولة، واستقل بها ابن عصام، وكذلك خرجت لورقة، واستقل برياستها الفقيه محمد بن علي بن أحلى.

واستمر الأمير زيان في رياسته لمرسية زهاء عامين. وكان كاتبه في تلك الفترة، القاضي والكاتب اللامع أبو المطرِّف بن عميرة المخزومي. وهنالك ما يدل على أن الأمير زيان، قد بذل عندئذ محاولة للتفاهم مع فرناندو الثالث ملك قشتالة، وذلك حسبما تدل عليه رسالة موجهة منه إلى فرناندو، ومحررة بقلم أبي المطرف، يذكر فيها ما تم له من فتح مرسية، ورضاء المسلمين بهذا الفتح، وأنه رأى مفاوضته في عقد السلم، وأن يكون ذلك على يد رسول أوفده إليه، وأنه على استعداد للتفاوض مع من يرسله إليه ملك قشتالة من رجاله لهذا الغرض (٢). ومن الواضح أن هذه المحاولة من جانب زيان ترجع إلى ما كان معقوداً بين مملكتى قشتالة وأراجون من أن الاستيلاء على منطقة مرسية، كان من حق ملك قشتالة. على أن الأمر لم يطل برياسة زيان لمرسية، فقد خرج عليه زعيم من بني هود، من أبناء عمومة المتوكل، يدعى محمد بن هود، والتف حوله أهل مرسية، فانتزع الحكم من زيان وتلقب ببهاء الدولة، وخرج زيان من مرسية، في أهله وأمواله ولجأ في قومه وعشيرته إلى لقنت ذلك في سنة ٦٣٨ هـ (١٢٤٠ م). وعاش بها بضعة


(١) وردت هذه الرسالة في كتاب " زواهر الفكر" الذي سبقت الإشارة إليه (مخطوط الإسكوريال رقم ٥١٨ الغزيري (رقم ٥٢٠ ديرنبور).
(٢) أورد لنا القلقشندي نص هذه الرسالة في صبح الأعشى ج ٧ ص ١١٦ و ١١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>