من اهل مرسية الجلاء عن أرضهم كما حدث في بلنسية وقواعدها، ولكنه طلب إليهم فقط أن يسمح لأهل أراجون وقطلونية بالهجرة إلى أراضي مملكة مرسية. وكان قد حمل على هذا الاعتدال، بما حدث في بلنسية وقواعد الشرق الشمالية من الاضطرابات العنيفة على إثر إخراج سكانها من أوطانهم.
وهكذا استولى خايمى الفاتح على سائر ثغور شرقي الأندلس وقواعده، من بنشكلة وقسطلونة شمالا، حتى قرطاجنة ولورقة جنوبا، وذلك في فترة لا تتجاوز الثلاثين عاما، وانتهت بذلك سيادة الإسلام في تلك الرقعة الكبيرة من الوطن الأندلسي القديم، بعد أن لبثت بها أكثر من خمسة قرون، وأضحى أهلها المسلمون الذين آثروا البقاء بأوطانهم القديمة، واستسلموا إلى قدرهم في ظل حكم السادة النصارى الجدد، مدجنين Mudéjares تعصف بهم إرادة الفاتح، وتسلبهم حقوقهم الدينية والمدنية، ومميزاتهم القوية شيئاً فشيئاً، ولا تنفعهم ثورتهم المتكررة في سبيل الاحتفاظ بكيانهم، حتى غدوا بمضى الزمن مجتمعاً غريبا في بلاده، وفقدوا دينهم القديم، ولغتهم العربية، وغلبت عليهم الذلة والعبودية، وحتى هذه الحياة المسكينة الذليلة في ظل آثار دينهم ولغتهم لم تدم، وكان أن أرغموا بعد ذلك على التنصر، واعتناق دين الغالب ولغته، وأضحى تاريخهم في ظل الحكم الإسباني، وظل الكنيسة الإسبانية، ومحاكم التحقيق، مأساة من أروع مآسى التاريخ، وأبلغها إيلاما للنفس، وهي التي تعرف بمأساة الموريسكيين أو العرب المتنصرين (١)
(١) تناولنا كل ما يتعلق بمصاير المدجنين وأحوالهم وتاريخ الموريسكيين بتفصيل واف في كتابنا " نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين " (ص ٤٧ - ٥٨)