للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى هي أن يمنع ورود الأمداد والمؤن على المدينة من طريق البحر. ولم يأت يوم ٢٠ أغسطس، حتى كانت إشبيلية قد طوقت من كل ناحية، سواء من البر أو البحر. وكان من الأحداث المؤلمة التي تنفطر لها النفس، وجود ابن الأحمر أمير غرناطة على رأس قوة من فرسانه، إلى جانب القوات النصرانية المحاصرة، وذلك وفاء بتعهداته لملك قشتالة، وكان يرابط بقواته إلى جانب فرسان شنت ياقب جنوبي حصن الفرج، وهكذا كان هذا الأمير المسلم يشترك مع أعداء أمته ودينه في تطويق الحاضرة الإسلامية، ومحاولة افتتاحها، وتشريد أهلها وسحق دعوة الإسلام بها. ويفسر لنا ابن خلدون هذا التصرف المشين من جانب الأمير المسلم، بأن ابن الأحمر كان يرمى بمعاونة النصارى على هذا النحو، إلى الانتقام من أهل إشبيلية، لأنهم خذلوه ونكلوا عن طاعته، وأخرجوه من المدينة (١). على أن ذلك لم يكن يعنى أن المدينة، قد قطعت سائر علائقها الخارجية أو أنها عدمت وسائل الاتصال، ولاسيما مع عدوة المغرب. فمن الحقائق التي تسجلها الرواية النصرانية أنه في الوقت الذي يرابط فيه الأسطول النصراني في مياه الوادي الكبير، كان يوجد في نفس المياه عدد من السفن الإسلامية، ومعظمها في الغالب سفن مغربية، قدمت من مياه سبتة وطنجة، وأن اتصال إشبيلية بوادي الشرف، كان مكفولا عن طريق حصنها الغربي طريانة الذي تربطها به عبر الوادي الكبير قنطرة من السفن المثبتة بسلاسل حديدية ضخمة. وكانت المؤن مازالت بالرغم من الحصار، ترد على المدينة المحصورة، من العدوة، ومن الشرف، وغربى الأندلس، وكان أهل إشبيلية، لاطمئنانهم إلى حالة التموين يحصرون اهتمامهم في مقاتلة النصارى، والاشتباك معهم كلما سنحت الفرص. وقد نظم المسلمون غير كمين للإيقاع بالنصارى، وأصيب النصارى بالهزيمة غير مرة، ومنى منهم فرسان القنطرة وقلعة رباح، بخسائر فادحة، وخرج المسلمون في قوة كبيرة، هاجمت المحلة الملكية، فردتها قوات ولى العهد ألفونسو والإنفانت إنريكى، فعادت إلى المدينة بعد أن تكبدت بعض الخسائر. وكان النصارى خلال الحصار يخرجون إلى القرى والضياع المجاورة، ويقومون بتخريبها وانتهابها، ومن ذلك أنهم اقتحموا منية البحيرة الغاصة بالحدائق، والرياض، الواقعة في جنوب شرقي المدينة، والتي كان قد أنشأها الموحدون،


(١) ابن خلدون ج ٧ ص ١٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>