وعاثوا فيها، ونهبوا الماشية والمتاع والثياب، وقتلوا من كان بها من المسلمين، وأحرقوا دورها، وفعلوا مثل ذلك بربض مقرينه، الواقع في شمالها الشرقي. وأما، في مياه مصب الوادي الكبير، فقد كانت مهمة الأسطول النصراني، وهي قطع الإمداد والمؤن عن المدينة، من طريق البحر، مهمة شاقة، وكانت السفن الإسلامية التي وردت من مياه طنجة وسبتة، تثير في وجه السفن النصرانية، صعابا جمة، وكانت تفسح الطريق للأمداد والمؤن الواردة من العُدوة، وتعمل على حمايتها، حتى تجد سبيلها إلى المدينة، وقد حاول البحارة المسلمون فوق ذلك أن يحرقوا السفن النصرانية بالنار اليونانية، واقتربوا منها بالفعل، تحميهم من ضفة النهر بعض حشود من الجند، وأمامهم مواعين مملوءة بالزيت والمواد الملتهبة ولكن النصارى فطنوا إلى المحاولة، وهاجموا المسلمين من البر والبحر، فلجأ الجند الذين بالشاطىء إلى قلعة طريانة، ونشبت بين سفن الفريقين معركة شديدة، واستطاع المسلمون أن يقذفوا موادهم الملتهبة، ولكن النصارى استطاعوا أن يخمدوا النار قبل اندلاعها. وهكذا فشلت المحاولة، ولكن المعارك البحرية الجزئية كانت تضطرم بين الفريقين باستمرار. وفي ربيع سنة ١٢٤٨ م، وفدت على المعسكر النصراني طوائف كثيرة من الجند، منها قوة من فرسان قشتالة، بقيادة ولى العهد ألفونسو، وقوة من فرسان قطلونية، بقيادة ألفونسو ولى عهد أراجون، وقوة من الفرسان البرتغاليين بقيادة بيدرو ولى عهد البرتغال، وقوة من جند بسكونية وقشتالة القديمة بقيادة لوبيث دي هارو، وكذلك قدم يوحنا مطران شنت ياقب في قوة من جند جلّيقية، قدمت حشود أخرى من مدينة سالم، ومدلين، وقورية، وغيرها، ووفد كثير من الأساقفة والرهبان، وفرسان الجماعات الدينية، وانضمت هذه الحشود الجديدة، إلى القوات المحاصرة، في مختلف مناطق الحصار، وهكذا عزز الحصار حول إشبيلية، وأحكمت حلقاته، وعول ملك قشتالة، أن يلجأ إلى الوسيلة، المأمونة المؤكدة، وهي إرهاق المدينة بأقصى ما يستطاع، وإرغامها على التسليم بالجوع والحرمان.
وكان قد مضى على حصار النصارى لإشبيلية زهاء تسعة أشهر وهي صامدة، تزداد ثباتا وإصراراً على مدافعة النصارى، ولكنها مذ أحكمت حولها حلقات الحصار، أخذت تشعر بالضيق يدب إليها حثيثاً، وشبح الجوع يقترب منها شيئاً فشيئاً. ولم يبق لديها عندئذ سبيل للتنفس البطىء سوى طريانة، قلعتها