الجنوبية الغربية المشرفة على الشّرف. وهنا كرر أهل إشبيلية صريخهم إلى المغرب، وإلى سائر أمرائه وزعمائه، يصفون محنتهم الغامرة، ويلتمسون الغوث والإنجاد قبل فوات الوقت. وكان مما نظمه في هذه المناسبة شاعر إشبيلية يومئذ، إبراهيم ابن سهل الإشبيلي الإسرائيلى قصيدة مؤثرة، يستصرخ فيها أهل العدوة، ويستحثهم على المبادرة إلى نصرة إخوانهم في الدين وفيها يقول:
ورداً فمضون نجاح المصدر ... هي عزة الدنيا وفوز المحشر
نادى الجهاد بكم بنصر مضمر ... يبدو لكم بين القنا والضُّمر
خلوا الديار لدار عز واركبوا ... عبر العجاج إلى النعيم الأخضر
وتسوغوا كدر المناهل في السرى ... ترووا بماء الحوض غير مُكدّر
يا معشر العرب الذين توارثوا ... شيم الحميّة كابرا عن أكبر
إن الإله قد اشترى أرواحكم ... بيعوا ويهنئكم وفاء المشترى
أنتم أحق بنصر دين نبيكم ... ولكم تمهد في قديم الأعصر
أنتم بنيتم ركنه فلتدعموا ... ذاك البناء بكل لون أسمر (١)
ونظم أبو موسى هرون بن هرون قصيدة طويلة، يصف فيها محنة أهل إشبيلية حينما طوقها النصارى، وما نزل بأهلها من صنوف الآلام والخطوب، ويهيب فيها بأهل العُدوة أن يبادروا إلى إنجادها، وتدارك أهلها، وقد جاء في أولها:
يا حمص أقصدك المقدور حين رما ... لم حق فيك الردى إلا ولا ذمما
جرت عليك يد الدهر ظالمة ... لا يعدل الدهر في شىء إذا حكما
ما كنت أحسب أن الحادثات إذا ... همت بك السوء لا تلقى لك السلما
قد كان حسنك فتان الشباب فمذ ... أصبت عوضت منها القبح والهرما
يا جنة زجرتنا عن زخارفها ... ذنوبنا فلزمنا البت والندما
ومنها في وصف الحصار ومصائبه، واستنهاض همم أهل العدوة:
ويمموا حمص في جمع يضيق به ... ذرع الفضا بالمرهفات الماع فاكتتما
واستوطنوا القبر في الوادي وقام لهم ... جسر منه الفلك لا تشكو به السأما
فكم أسارى غدت في القيد موثقة ... تشكوا من الذل أقداما لها حطما
(١) أورد لنا هذه القصيدة صاحب الذخيرة السنية، ص ٧٤ وما بعدها