وكم صريع رضيع ظل مختطفا ... عن أمه فهو بالأمواج قد فطما
وكم بطريانة أبقى الأسبى ندبا ... في القلب يبعث وجدا كلما كلما
يا حسنها عرف للحسن جامعة ... ما طار قط لها إلا النعيم جما
يا عين فابك على حمص وقل لها ... منك البكاء إذا ما ترسليه دما
وقد أصيبت بها الدنيا وساكنها ... حقاً وأصبح ركن الدين قد ثلما
سطا بها الكفر إذ قل النصير بها ... فمن معز بها الإسلام ما سلما
يا أهل وادي الحما بالعدوة انتعشوا ... هذا الذماء فقد أشفى به سقما
فماذا يبطئكم عنا وحولكم ... أن تبصروا دار قوم أصبحت رمما
وحقنا واجب فالدين يجمعنا ... مع الجوار الذي مازال منتظما
وقد دعونا فأسمعنا على كثب ... بما قد استنفد القرطاس والقلما (١)
وكان الاستيلاء على قلعة طريانة حصن إشبيلية من الجنوب الغربي، أهم ما يشغل بال النصارى، وكان لابد قبل محاولة الاستيلاء عليها أن تحطم القنطرة القوية الضخمة، التي تربطها بإشبيلية عبر الوادي الكبير، عند برج الذهب. وكانت هذه القنطرة، تتكون حسبما قدمنا، من مجموعة من السفن المثبتة بسلاسل ضخمة من الحديد. وهذا ما اعتزمه النصارى بالفعل. وجهز بونيفاس قائد الأسطول النصراني لهذا الغرض مركبين كبيرين، وركب في إحداهما. ودُفع المركبان نحو القنطرة، فنجحت إحداهما في قطع السلاسل الحديدية، وإحداث ثغرة في القنطرة، وأسرع الملك فرناندو في قوة كبيرة ليحمى بونيفاس ومركبه، وليحقق الفصل بين المسلمين في طريانة، وأهل المدينة، ووقع ذلك الحادث في اليوم الثالث من مايو سنة ١٢٤٨ م.
وكان تحطيم القنطرة على هذا النحو ضربة شديدة للمسلمين، إذ ترتب عليه الفصل بين قلعة طريانة، وبين المدينة، وقطع طريق الشّرف، وهو الملاذ الأخير الذي كان باقيا للمحصورين، لاستيراد الأقوات والمؤن، بعد أن أضحى طريق النهر محفوفاً بأعظم المخاطر. كما ترتب عليه عزل طُريانة وتعرضها لخطر هجوم النصارى. وهذا ما عول عليه النصارى بالفعل على أثر تحطيم القنطرة.
(١) أورد لنا ابن عذارى نص هذه القصيدة بأكملها في البيان المغرب ص ٣٨٢ - ٣٨٤