هذا وقد توفي فرناندو الثالث ملك قشتالة، بعد مرض شديد، في الثلاثين من شهر مايو سنة ١٢٥٢ م، في الرابعة والخمسين من عمره، وذلك بعد أن حكم ستة وثلاثين عاما، ودفن بمدينة إشبيلية آخر وأعظم فتوحه، وحاضرته الجديدة، فخلفه ولده، وولي عهده ألفونسو العاشر، وهو الذي لقب فيما بعد بالحكيم أو العالم.
وتشيد التواريخ الإسبانية بخلال فرناندو الثالث وعبقريته، وعظيم مآثره، وتعتبره من أعظم ملوك إسبانيا، ومن أعظم ملوك العصور الوسطى، وترى أن فتوح " الاسترداد " La Reconquista ، قد وصلت على يديه إلى ذروتها، وذلك بافتتاح قرطبة عاصمة الخلافة القديمة، وإشبيلية أعظم حواضر الأندلس. والواقع أننا نستطيع أن نعتبر فرناندو الثالث، هو قاهر الأندلس الحقيقي، وأنه هو الذي استطاع بضرباته وفتوحاته المتوالية لأراضيها وقواعدها، أن يحطم وحدتها وتماسكها، وأن يقوض صرحها الشامخ، الذي استطاع الموحدون أن يحتفظوا بسلامته زهاء قرن، وقد وضع افتتاحه لقواعدها الكبرى، حداً نهائياً لسيادة الإسلام في الأندلس الوسطى والغربية، وجاء استيلاؤه على قرطبة، وإشبيلية بالأخص، وهما أعظم مراكز الإشعاع الحضاري في الغرب الإسلامي، ضربة قاضية للنفوذ الحضاري والمؤثرات الأدبية الأندلسية، التي لبثت خمسة قرون متغلغلة في شبه الجزيرة الإسبانية.
وقد لبثت ذكرى فرناندو الثالث عصوراً، تقترن بالأخص بحماسته الدينية وغيرته الكاثوليكية، والصفة الصليبية التي كانت شعار حروبه ضد الإسلام في الأندلس، حتى جاء البابا كليمنضوس العاشر، فأسبغ عليه صفة القداسة وتوّجه قديسا، وذلك في سنة ١٦٧١ م، وأضحى فرناندو الثالث من ذلك التاريخ يعرف بالقدِّيس فرناندو San Fernando أو فرناندو المقدس Fernando el Santo