ابن وانودين لقتالهم. لقاء الفريقين قرب مكناسة. هزيمة ابن وانودين وحلفائه. التجاؤه إلى قصر عبد الكريم. تضاعف هيبة بني مرين وامتداد سلطانهم. ابن وانودين وقصته وعوده إلى مراكش. الرشيد يبطش بوزيره المومنانى. مصرع الرشيد في حادث البحيرة. مختلف الروايات حول ذلك. خلال الرشيد وصفاته. وزراؤه وكتابه. شخصه.
بويع أبو محمد عبد الواحد الرشيد، حسبما تقدم عقب وفاة أبيه، وهو في طريق عودته على رأس جيشه من سلا إلى مراكش، وذلك في مستهل شهر المحرم سنة ٦٣٠ هـ (١٨ أكتوبر سنة ١٢٣٢ م)، وكانت بيعة خاصة انحصرت في أكابر الأشياخ والسادة، إذ كتمت وفاة الخليفة الراحل إلى حين. ولما وصل الرشيد في جيشه إلى الحضرة، بعد هزيمته لابن عمه يحيى بن الناصر، واستعدت الحضرة لاستقباله، بعد أن كانت على أهبة لرده، مما فصلناه من قبل، دخلها في منتصف شهر المحرم، ونزل بالقصر، وساد التفاؤل والبشر بين الناس، وكانت طوائف الموحدين والعرب التي قدمت مع يحيى، ولاسيما عرب سفيان وشيخهم يومئذ جرمون بن عيسى، قد عاثت في أرجاء العاصمة وخربتها، ونهبت من الأموال والذخائر مقادير طائلة. ووصل مع الرشيد كثير من عرب الخُلط المخلصين له ولأبيه من قبل، واستقروا في مختلف الأنحاء، ووصل معه كذلك عمه السيد أبو محمد عبد الله بن أبي سعد بن المنصور، فأنزله الرشيد أكرم منزل وولاه وزارته، وكانت له في الدولة مكانة رفيعة.
ولما استقر الرشيد بمراكش، اجتمع الناس على طاعته، ووصلته البيعات من مختلف الجهات من الحواضر ومن القبائل.
وكان عهد الرشيد الذي استطال زهاء عشرة أعوام، عهداً بعيداً عن الهدوء والاستقرار، مليئاً على قصره بالأحداث والانقلابات العنيفة. بيد أنه قد امتاز في نفس الوقت بوقوع بعض الظواهر الهامة، وفي مقدمتها عود الموحدين الخوارج، إلى تأييد الدولة الموحدية، وإحياء ما اندثر من رسوم المهدي، والقضاء على تمرد عرب الخلط، وقبيلة هسكورة، وتحرير البلاد من عيثهم، وطغيانهم، وامتاز أخيراً بتقدم دعوة بني مرين، وسيطرتها على معظم الأنحاء الشمالية.
وفي أوائل سنة ٦٣٠ هـ، قدم إلى مراكش عمر بن وقاريط زعيم هسكورة من جبله، ومعه أولاد الخليفة المأمون إخوة الرشيد الصغار، ومنهم السيد أبو الحسن، وكان أبوه قد تركه بإشبيلية في كفالة بعض الأشياخ، ثم أخرجه أهلها، فأخذ