إلى عمه أبي موسى بسبتة، ولجأ أولئك الصبية أثناء احتلال يحيى لمراكش إلى هسكورة، تحت كنف ابن وقاريط ورعايته.
وكان ابن وقاريط منذ البداية من أنصار الخليفة المأمون، وخصوم ابن أخيه يحيى، ولكنه لما تولى الرشيد شعر نحوه بشىء من التوجس، بيد أنه توسل باستصحاب إخوته الصغار أبناء المأمون إلى الحضرة، إلى نيل عطفه وثقته، ولما وصل إلى مراكش واستقر بها، توثقت أواصر المودة بينه وبين السيد أبي محمد ابن أبي سعد عم الرشيد، وصديقه الحميم العلامة الفقيه أبي إسحاق بن الحجر، وكان من أقطاب عصره علما ومكانة، بيد أن ابن وقاريط لم يكن صادق الولاء، وكانت نفسه تجيش بنيات ونوازع مختلفة، لم تلبث أن كشفت عنها الحوادث. وكان ابن وقاريط، شعوراً منه بكثرة جمعه، وتوطد نفوذ قبيلته، يكثر من الرغبات والمطالب، وخصوصاً منذ توفي صديقه وناصحه السيد أبو محمد بن أبي سعد، وكان الرشيد يستجيب إلى معظم رغباته، ومن ذلك أنه منحه جباية هزرجة وأغمات وريكة، وغير ذلك. بيد أنه لم تهدأ ثائرة نفسه، وفي ذات يوم - آخر سنة ٦٣٠ هـ - غادر مراكش بحجة الاتصال بإخوانه وإصلاح شئونه، ولكنه لم يعد، ولم يلبث أن كشف القناع، وأظهر العصيان للرشيد، والانضواء تحت طاعة منافسه يحيى المعتصم، وسار إليه بمقره ببلاد مزالة، وكان من الواضح أن عمله كان نذيراً ببدء فصل جديد، من الصراع بين الرشيد، وبين يحيى وحلفائه.
- ١ -
وذلك أن الرشيد لما علم بما وقع من عقد التحالف بين هسكورة ويحيى، حشد قواته، وخرج لقتال خصومه، واستخلف على مراكش صهره زوج أخته السيد أبا العلى إدريس، فقام على ضبطها وتسيير أمورها بحزم وكفاية. ولما وقف ابن وقاريط ويحيى، على أهبة الرشيد للقتال، أخذا في استنفار أنصارهما، واجتمعت حشود هسكورة ومزالة وجلاوة، وأخذت تتأهب للسير صوب مراكش، فبعثت أم الرشيد إلى ولدها تستحثه وتهيب به أن يستدرك الموقف قبل أن يهدد الأعداء العاصمة، فحول الرشيد خط سيره، وقصد إلى بلاد هزرجة، واخترق في طريقه بلاد هسكورة وخرب بسائطها، واستعد يحيى وحلفاؤه لمنازلته في حمى بعض الجبال، فسار الرشيد لقتالهم، ولما اضطرمت المعركة بين الفريقين، تخاذل أنصار يحيى وولوا الأدبار، واعتصموا بالجبال،