للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتركوا محلاتهم، فاستولى عسكر الرشيد على ما فيها، وفر يحيى في فلوله إلى بلاد سجلماسة، وعاد الرشيد ظافر إلى مراكش (١).

وقدم عندئذ إلى الحضرة الزعيم غنصلة (كونثالو) أخو شانجه (سانشو) قائد الروم (الجند النصارى) مع طائفة من الجند النصارى، وكان قبل مقدمه، قد جاز على مدينة قادس، وانقض عليها في عصبته، وفتك بأهلها، وحمل منهم عدداً من الأسرى. وكانت قادس يومئذ تدين بالطاعة لابن هود، ألد خصوم الخلافة الموحدية، واستاق غنصلة الأسرى المسلمين معه حتى ثغر آسفى، فقام أهله بافتدائهم، وتم تسريحهم، وبقيت قادس بعد ذلك خرابا حتى تملكها النصارى فيما بعد، في عهد ألفونسو العاشر (٢).

وكان أهم ما حدث في هذا العام - ٦٣١ هـ - هو التقرب بين زعماء الموحدين وبين الرشيد، وذلك على يد أبي عثمان سعيد بن زكريا الجدميوى. وكان يتردد على جدميوه، وهي من منازل الموحدين القديمة، بعض التجار النصارى، وكان من هؤلاء مبعوث " للرومى " جوان كيس وكيل شانجه قائد النصارى، وكان هذا المبعوث يتردد على أبي عثمان، ويقدم إليه مختلف الهدايا تسهيلا لمهامه، وأبو عثمان من جانبه يقوم بخدمته ومعاونته. ولما علم بذلك جوان كيس قرر أن يزور أبا عثمان وأن يوثق معه علائقه، فاستقبله الزعيم الجدميوى أجمل استقبال، وانتهز الفرصة فأبدى له رغبته في العودة إلى الطاعة، وأن يقوم بذلك المسعى القائد شانجُه، لمكانته من الرشيد، فأبدى جوان كيس اغتباطه بذلك، ووعد بتحقيقه. وكان الزعماء الموحدون الخوارج على الرشيد، قد برموا بحركات يحيى، وارتمائه في أحضان هسكورة وابن وقاريط، وهو خصمهم الأكبر، وسرت بينهم فكرة العودة إلى الطاعة، وعقد الصلح مع الرشيد. وكان أبو عثمان يسره أن يكون البادئ بهذا المسعى الحميد. ولما وقف القائد شانجه على ذلك أدرك ما لهذا المسعى من الأهمية والفائدة، وعرض الأمر على الرشيد وطلب موافقته، فأبدى الرشيد اغتباطه، وإصدر عهده لأبي عثمان بالأمان والقبول، فلما وصل العهد إلى أبي عثمان، بادر بالسير إلى الحضرة في أهله وإخوانه، ومن اتبعه من قبيلته، فاستقبله شانجه أجمل استقبال، وصحبه إلى الدار التي خصصت له، وشمله الخليفة هو وسائر


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٩١ و ٢٩٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٤.
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٢٩٢، والذخيرة السنية ص ٧٠

<<  <  ج: ص:  >  >>