صحبه بعنايته ورعايته وجزيل صلاته. وأخذ أبو عثمان يعمل على توثيق علائقه برجال الدولة من جهة، وعلى بث سعيه الحثيث، لدى زملائه الموحدين من جهة أخرى، ليجمع كلمتهم على الطاعة، والعود إلى الالتفاف حول كرسى الخلافة. واستمرت مساعيه ومفاوضاته في سبيل ذلك حينا، واستطاع في النهاية، أن يقنع زملاءه الموحدين بالعود إلى الطاعة، على أن يشملهم العفو التام، وعلى أن تعاد رسوم إمامهم وقوانينهم وتقاليدهم كما كانت، وهو ما وعد الخليفة بتنفيذه، وبذل الرشيد من جانبه، مساعيه لاستجلاب الموحدين، واستدعائهم إلى الحضرة، لما فيه خيرهم وصلاحهم، فبعث الموحدون إليه بالشكر والدخول في الطاعة، وأخذوا في الأهبة للسير إلى الحضرة، وندب الرشيد لمصاحبتهم والوصول معهم، عمه موسى بن الناصر، ولكن حدث أن وقف على ذلك شيخ الخلط مسعود بن حميدان، ورأى في انضمام الموحدين إلى الرشيد تقوية لشوكته، وإضعافا لمركز الخلط، فرتب قوة من رجاله، لتعترض الموحدين وتفتك بهم، وعلم الموحدون بتلك الخطة الغادرة، فارتدوا إلى جبلهم سالمين. ولما نمى ذلك إلى الرشيد، استشاط غيظاً، وتشاور في الأمر مع وزارائه وخاصته، واستقر الرأي على استدراج زعيم الخلط والقضاء عليه.
وكان ابن وقاريط خلال ذلك، يجد في وضع خططه وإحكام وسائله، وكان يوحى إلى حليفه القديم، شيخ الخلط بمختلف المشاريع العدوانية، وشيخ الخلط مسعود من جانبه، يعيث فسادا في الأرض أينما حل، ويفرض سلطانه الغاشم على الناس، ويرهقهم بالمغارم والفروض، ويستبيح الأموال والحُرم، وكان وكيله، واسمه موسى الكافر، رجلا فاجراً يستطيل على رجال الخليفة وخدامه، دون حياء ولا وازع، وكان الرشيد يشهد ذلك كله، مظهراً الصبر والإغضاء، وهو يضطرم في قرارة نفسه رغبة في التخلص من هذا الزعيم المتجبر الباغى، ويرقب الفرص لتحقيق بغيته.
ولم يكن القضاء على شيخ الخلط بالأمر الهين، فقد كان يعتمد على قوة محاربة تتألف من نيف وإثنى عشر ألف فارس، غير الأتباع والحشود التي لا تحصى، وكانت فرسانه وجنده، حسنة الأهبة كاملة السلاح، ولديه من الأموال والثياب والدواب والإبل مقادير وافرة، وبالجملة فقد كان مسعود ابن حميدان ملكاً غير متوج، قوي الشوكة، وافر البأس، وكان لابد للقضاء عليه