وعلى سلطانه، من التذرع بكثير من الحكمة والصبر والدهاء (١).
ووضع الرشيد خطته لذلك بالاتفاق مع وزرائه ونصحائه، وخلاصتها، أن يرسل الجيش مع وزيره السيد أبي محمد الكبير في مهمة إلى بلاد حاحة. ذلك لأن شيخ الخلط كان يخشى المثول في الحضرة، مع وجود الجيش، ومن ثم فقد تحرك السيد أبو محمد بالجيش إلى حاحة برسم جبايتها. وعلى أثر ذلك بدأ الرشيد مسعاه في استدعاء مسعود بن حميدان إلى الحضرة، فقبل الدعوة بعد لأى وتسويف، واستقبل بمنتهى المودة والإكرام، وصار يتردد إلى باب الخليفة في جموعه، وكان يقيم بالحضرة معاوية بن وقاريط عم عمر بن وقاريط، وهو يظهر التبرؤ من عمر وفعله، والولاء للرشيد، بيد أنه كان من جهة أخرى، يبدى صداقته لمسعود، وقد أعد له هو وإخوانه ذات صباح مأدبة حافلة، ولكن الرشيد لم يصبر على تلك المظاهرة فأمر بالقبض على معاوية وإعدامه، وكان مسعود في ذلك الوقت نفسه في دار الخلافة لمصالح يقضيها، فلما نمى إليه الخبر لم يهتز له، وقال لقد أفسد علينا غذاء الخلط، فأقيمت له ولأصحابه في الحال مأدبة عظيمة، وبولغ في إكرامه والحفاوة به.
وهنا وضع الرشيد خطته للإيقاع بمسعود، حينما يفد على القصر، وبث له الكمائن من الفتيان والعبيد والحشود، داخل القصر وحواليه. فلما حضر مسعود أذن له بالدخول، فطلب أن يدخل مع أصحابه، ولكنه أجيب إلى الدخول بمفرده، ومنع الصحب، فتردد أولا ثم ارتضى أن يدخل وحده، فلما وصل إلى مكان معين احتاط به يحيى بن عبد الرحيم، ونفر من العبيد والفتيان، فشعر بالخطر يحدق به، وشهر سيفه وصاح برفاقه الدين تخلفوا ورائه، وتمكن من اللحاق بهم، فشهروا سلاحهم وحاولوا الخروج، ولكن الأبواب كانت قد أغلقت، ففتحوا الباب الأول، بعد جهد، ولكن لقيهم من ورائه ابن ماكسن صاحب الشرطة وأعوانه، ولكنهم استطاعوا التغلب عليهم، ووثبوا إلى الباب الثاني، ولكنه كان أيضاً مغلقاً، وهجم عليهم في ذلك الفناء، كل من كان كامنا في الرياض من الفتيان والكتاب والخدم، وعرف الجميع أن العرب هم المطلوبون، ودافع مسعود ورفاقه عن أنفسهم أعنف دفاع، ولكن السيوف تلقفتهم من كل ناحية، وتساقطوا حول زعيمهم واحداً بعد الآخر، ثم كانت الخاتمة بمصرع