للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسعود، فسقط مضرجا بدمه، واحتز رأسه في الحال، وحمل إلى الرشيد، فحمد الله على ما حقق من هلاك هذا الخصم الخطر، وفي الحال أمر الرشيد بالقبض على من كان بالحضرة من عرب الخلط، وقتلهم، والطواف بجثثهم، وكان مصرع مسعود بن حميدان، وانهيار سلطانه على هذا النحو، عمل انقاذ لموقف شديد الحرج، إذ كان عرب الخلط قد اشتد عيثهم في أنحاء البلاد، واغتصبوا جباياتها وعشورها، وأصاب البلاط الموحدي من جراء ذلك منتهى الضيق والإرهاق (١).

ولم يمض على مصرع زعيم الخلط سوى أيام قلائل، حتى عاد الجيش الذي أوفد إلى بلاد حاحة، بقيادة السيد أبي محمد، بعد أن قام بمهمته. وعلى أثر ذلك قام الرشيد بتوجيه كتبه إلى الموحدين بالوفادة عليه، بعد أن مهد السبيل، وزالت العقبات، فبعث الموحدون إليه منهم رسولين، هما أبو بكر بن يعزى التينمللى، ومحمد بن بزريجن الهنتاتى، فاستقبلا في الحضرة بمنتهى الترحاب والبشر والتكريم، وغمرهما الرشيد بعطفه ورعايته. وأبديا للخليفة شروط الموحدين للعودة، وهي إعادة ما نسخه أبوه الخليفة المأمون، من رسوم الإمام المهدي، وذلك بإعادة اسمه في الخطبة، ونقشه في السكة، وإعادة الدعاء له بعد الصلاة، والنداء " بتاصليت الإسلام " " وسودوت " " وناردى " " وأصبح ولله الحمد" وغير ذلك مما جرى عليه التقليد، منذ قيام الدولة الموحدية، وقضى المأمون بإزالته، وتبعه في ذلك ولده الرشيد، فوعد الرشيد بتحقيق مطالبهم. وعلى أثر ذلك قدم الموحدون إلى الحضرة، ونزلوا فيما خصص لهم من الدور، وانتظموا كما كانوا في طاعة الخلافة، وتمهل الرشيد وقتاً في تنفيذ ما وعد به من إحياء رسوم المهدي، ولكنه لما شهد قلقهم وتوجسهم من ذلك، بادر بتنفيذ عهده، وأعيدت رسوم المهدي ابن تومرت كما كانت قبل إلغائها، واستقبل الموحدون ذلك بمنتهى العرفان والرضى (٢)، وقرن الرشيد ذلك بأن رد على الموحدين دورهم وأملاكهم وأموالهم، وسائر حقوقهم وامتيازاتهم القديمة، فطابت نفوسهم، واتسعت أحوالهم، وأقبلوا على الانضمام إلى الجيش، والاضطلاع بنصيبهم من المسئوليات والشئون، ولاح أن الدولة الموحدية قد استردت سابق تماسكها ووحدتها وقوتها (٣).


(١) البيان المغرب ص ٣٠١ - ٣٠٣، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٥.
(٢) البيان المغرب ص ٣٠٤ و ٣٠٥، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٤.
(٣) البيان المغرب ص ٣٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>