للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويسعى إلى غوث البائس والمسكين بمختلف الوسائل (١). وكان يذهب مذهب عمر بن عبد العزيز، في تحري الحق والعدالة، فكان يبعث إلى الكور بقوم من ثقاته، للتحري عن مسلك العمال وسيرهم بين الرعية، فإذا انتهى إليه حيف من أحدهم أسقطه واشتد في عقابه (٢).

وكانت ولاية هشام نذير فوره جديدة من الثورات المحلية. ذلك أن سليمان أكبر أخوته لم يقر إمارته، ودعا لنفسه في طليطلة وما جاورها، وكذلك أخوه عبد الله البلنسي لم يخلد إلى الرضى، بالرغم مما بذله هشام لاسترضائه، ولم يلبث أن لحق بأخيه سليمان في طليطلة، وتحالفا على العصيان والثورة، وسار سليمان خفية إلى قرطبة ليحاول إضرام الثورة ضد أخيه، فلم يظفر بشىء، وطارده الجند، ففر إلى ماردة وحاول أن يعتصم بها، ولكن رده عاملها. وكان هشام قد بعث جيشا لحصار طليطلة وإخضاعها، ففر سليمان إلى جبال بلنسية، ولجأ إلى بعض ثغور تدمير. ولما رأى عبد الله البلنسي ما حل بأخيه من الفشل والهزيمة، خشي عاقبة الخروج، وارتد إلى قرطبة يلتمس الصفح من أخيه، فعفا عنه هشام وأكرم مثواه، وبعث جيشا بقيادة ولده معاوية لمطاردة سليمان وصحبه، فتوغل في أنحاء تدمير (مرسية) واضطر سليمان إلى طلب الأمان والعفو، فأجابه هشام إلى طلبه، على أن يعبر بأهله وولده إلى المغرب، وأعطاه ستين ألف دينار صلحا على تركة أبيه. وسار معه أخوه عبد الله، وأقاما بعدوة المغرب، وانتهت بذلك ثورة الأخوين (سنة ١٧٤ هـ - ٧٩٠ م) (٣).

واعتقد ثوار الشمال في نفس الوقت أن الفرصة قد سنحت بوفاة عبد الرحمن لإضرام نار الثورة كرة أخرى، فخرج بطرطوشة سعيد بن الحسين الأنصاري، وكان قد التجأ إليها منذ مصرع أبيه، والتف حوله اليمنية، وأخرج عاملها من قبل هشام، يوسف العبسي، فعارضه موسى بن فرقوق في المضرية ودعا لهشام (٤)،


(١) راجع في التنويه بخلال هشام وصفاته، أخبار مجموعة ص ١٢٠ و١٢١؛ وابن الأثير ج ٦ ص ٣٧؛ والعقد الفريد (مصر سنة ١٩٢٨) ج ٣ ص ٢٠٢؛ والمعجب لعبد الواحد المراكشي ص ١٠.
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ٦٧، وأخبار مجموعة ص ١٢٧.
(٣) البيان المغرب ج ٢ ص ٦٤ و٦٥.
(٤) ابن خلدون ج ٤ ص ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>