للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرج أيضا مطروح بن سليمان بن يقظان بثغر برشلونة، والتفت حوله جموع كبيرة، واستولى على سرقسطة ووشقة، وقوى أمره، وبسط سلطانه على الولاية كلها، فسير إليه هشام جيشا كبيرا بقيادة عبيد الله بن عثمان، فسار إلى طرطوشة وانتزعها من يد الثوار، وحاصر سرقسطة وفيها مطروح وصحبه، وضيق عليها الخناق حتى ضاق أهلها ذرعا بالحصار، وفي ذات يوم اغتال مطروحا بعض أصحابه واحتزوا رأسه، وقدموها إلى ابن عثمان، فبعث بها إلى هشام، ودخل سرقسطة ظافراً (سنة ١٧٥ هـ) (١)، وقضى بذلك على الثورة في تلك الأنحاء.

وكان نصارى الشمال، منذ اشتد ساعدهم، يكثرون من الإغارة على البلاد الإسلامية والعيث فيها، ويشتد هذا العيث والعدوان كلما اضطرمت الأندلس بالفتن الداخلية، وشغلت حكومة قرطبة عن حماية الأطراف النائية. وكان الفرنج جرياً على سياستهم المأثورة، يشجعون النصارى من البشكنس والجلالقة على مواصلة التحرش بالمملكة الإسلامية، وكان هشام كأبيه يقدر خطورة هذه الدسائس الفرنجية، وتحدوه من جهة أخرى نزعة قوية إلى الجهاد والغزو، فما كاد ينتهي من القضاء على الثورة الداخلية، حتى سير إلى الشمال جيشاً قويا من أربعين ألف مقاتل بقيادة عبيد الله بن عثمان، فاخترق ألبة والقلاع (قشتالة القديمة)، واجتاح جليقية، وهزم الجلالقة بقيادة ملكهم برمودو (أو برمند) وحلفاءهم البشكنس، ومزق جموعهم (سنة ١٧٥هـ - ٧٩١ م)، وعاد إلى قرطبة مثقلا بالغنائم والسبي. ولم يمض قليل على ذلك حتى سارت إلى جليقية حملة أخرى بقيادة يوسف بن بخت، وهزم برمودو مرة أخرى، وقتلت جموع كبيرة من النصارى، وعلى أثر ذلك تنازل برمودو عن العرش لألفونسو الثاني ولد فرويلا، وأمير جليقية الشرقية، ولجأ إلى عزلة الدير.

وفي العام التالي أعني في سنة ١٧٦هـ (٧٩٢ م) تأهب هشام لمحاربة الفرنج، واستئناف عهد الجهاد والغزو، فسير إلى الشمال جيشاً كثيفاً. بقيادة حاجبه عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث (٢). فعبر البرنيه من ناحية قطلونية، واستولى


(١) العذري في كتاب " ترصيع الأخبار " (ص ٢٦ و٢٩).
(٢) وهو حفيد مغيث الرومي فاتح قرطبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>