للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمواطنيهم، وقدر هذا التعويض بمبلغ أربعمائة ألف دينار دفعها أهل سبتة، فتسلم الجنويون المال، وأقلعوا عن المدينة، ووقع ذلك في سنة ٦٣٣ هـ (١٢٣٦ م)، أو في سنة ٦٣٢ هـ (١٢٣٥ م) وفقاً لرواية صاحب روض القرطاس، وتضع بعض الروايات تاريخ هذا الحادث في سنة ٦٣٦ هـ (١٢٣٨ م) (١).

وفي تلك الأثناء كان عرب الخلط يجمعون فلولهم ويدبرون خططهم. ذلك أنهم لم ييأسوا من المقاومة، واقترح عليهم ابن وقاريط أن يعترفوا بطاعة صاحب الأندلس، محمد بن يوسف بن هود، وأن يستنصروا به، لكي يرسل إليهم جنداً لمحاربة الرشيد، فوافق العرب على ذلك، وندبوا ابن وقاريط وجماعة من أعيانهم للسير إلى ابن هود. وكان ابن وقاريط في الواقع يتوق إلى مغادرة المغرب، بعد أن شعر بفداحة هزيمته وخسران قضيته، فعبر البحر مع رفاقه إلى الأندلس، ووفد على ابن هود، فرحب بمقدمهم، وشملهم بعطفه وجوده، ولبثوا بإشبيلية في ضيافته وتحت كنفه، حتى سنة ٦٣٥ هـ، وانتظر عرب الخلط وأمرهم فوضى، نتيجة هذه السفارة، حتى تحرك الرشيد حركته الثانية.، فدب إليهم الذعر وتفرقوا في مختلف الأنحاء.

وكان الرشيد عندئذ، قد استعد لحرب خصومه أعظم استعداد، وبذل الأعطية على نطاق واسع، وشمل الموحدين بسابغ عطفه وكرمه، وندب لولاية مراكش الشيخ أبا علي بن أبي محمد عبد العزيز، ولأشغالها أبا عبد الله بن أبي زيد التينمللى، ولقضائها أبا زيد المكادى، ولشرطتها يوسف بن عثمان الهنتاتي.

وسار الرشيد في قواته أولا إلى فاس، والناس يرحبون به أينما حل. وفي فاس نظر في الشئون، وطلب تحصيل الجبايات، وأرسل الجيش إلى غُمارة بقيادة الوزير السيد أبي محمد سعيد بن المنصور. وخلفه في الوزارة الشيخ أبو موسى ابن عطوش. وبقى الموحدون في فاس. وحصلت الجبايات العظيمة من قبائل غمارة وفازاز، ومنح الجند أعطيتهم، ووسع عليهم، واستقامت الأمور، وتحسنت الأحوال.

ووقع خلال إقامة الرشيد بفاس حادث حسم، هو مصرع يحيى المعتصم. وذلك أنه كان عقب هزيمته الأخيرة الساحقة، قد لجأ إلى عرب المعقل بقرب رباط تازا، واستجار بهم، فآووه ووعدوه بمؤازرتهم ونصرتهم، ولكنهم


(١) راجع في غزو سبتة البيان المغرب ص ٣٤٦ و ٣٤٧، وروض القرطاس ص ١٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>