الخلط، وهاجموهم بشدة، وفتكوا بهم، فولى الخلط الأدبار مع أميرهم، وتحطمت جبهة يحيى وحلفائه، وانتهبت محلاتهم، وسبي أولادهم ونساؤهم، وتحقق للرشيد نصر كامل، ودخل الرشيد حاضرته في حفل فخم، فأغدق صلاته على حلفائه من عرب سفيان، فاتسعت أحوالهم، وزادت جموعهم، وأعلن الصفح عن خصومه، وساد التهادن والسلم، وتم ذلك في أواسط أو أواخر سنة ٦٣٣ هـ (١٢٣٦ م)(١).
وكانت هزيمة الخلط على هذا النحو الشامل، ضربة شديدة لتلك الطوائف الباغية المفسدة، أنقذت بها الخلافة الموحدية، وأنقذت مراكش من كابوس خانق، فانتظمت الأحوال وانتعشت النفوس، وعمرت الديار، وارتفعت المظالم المرهقة، التي كانت هذه الطوائف تنزلها بالناس، وأخذ الرشيد يستعد لمطاردة الخلط، والقضاء عليهم، وكانوا عندئذ قد انفضوا عن يحيى، وفر يحيى في نفر يسير من صحبه مفلولا كسيراً، والتجأ إلى جماعة من عرب المعقل.
وحدث في هذا العام - سنة ٦٣٣ هـ - الذي بلغت فيه الحرب الأهلية ذروتها من الاضطرام، حادث لم يلتفت البلاط الموحدي إلى خطورته، وإلى خطورة دلالته، وهو غزو الجنويين لثغر سبتة، ومحاولة الاستيلاء عليه. وكان الجنويون يفدون في سفنهم على سبتة للاتجار مع أهلها، ومع القبائل المجاورة، وترتب على ذلك أن نزل بها وبأرباضها كثير منهم، ففكر جماعة منهم في الاستيلاء عليها، لأهميتها البحرية والتجارية، فنمى ذلك إلى واليها عندئذ، وهو أبو العباس اليانشتى، فكتب إلى القبائل المجاورة يستنفرهم، وحدد لوفودهم يوما معينا. وفي ذلك اليوم، وفدت على سبتة، منهم جموع غفيرة، وخرج اليانشتى للقائهم، فأدرك الجنويون فشل مشروعهم، وأسرعو إلى باب المدينة، يحاولون امتلاكه فردتهم عساكر البربر، وقتلوا منهم عددا كبيرا، ورمى كثير منهم أنفسهم إلى البحر، ووصلوا إلى سفنهم الراسية فيه، ونهبت أموال الجنويين وفنادقهم، وهرع من بقى منهم إلى جنوة، وأبلغوا أهلها ما حدث، فحشد أهل جنوة في الحال نحو مائة مركب، وساروا لمحاصرة سبتة، ولما وصلوا إليها نصبوا عليها المجانيق، وضيقوا عليها، وعولوا على ضربها وأخذها بالحصار، فبادر صاحب المدينة اليانشتى إلى مفاوضتهم، واتفق معهم على تعويضهم عن كل ما حدث من الخسائر
(١) البيان المغرب ص ٣١٨ - ٣٢٤، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٥