وعزت الأقوات واشتد الكرب، وأكل الناس كل ما وصل إلى أيديهم من صنوف النبات والحشائش، ومات كثير من الجوع، وكان العرب خارج المدينة يحولون دون إغاثتها وتموينها، ويقيمون هم في خصب وسعة. ثم كان أن تسور المدينة السيد أبو ابراهيم بن أبي حفص الملقب بأبي حاقة، وفر الوالي أبو محمد بن أبي زكريا، وضبط السيد أبو ابراهيم البلد، وأمل الناس أن ينقذهم من عيث العرب وبطشهم، وبدأت تباشير الفرج بوصول الناس إلى الحقول والزرع الأخضر.
وفي تلك الأثناء وصل يحيى المعتصم وابن وقاريط وطوائف الخلط إلى المدينة، فتوجس الناس شراً، ودخل يحيى في الحال مراكش واحتلها، واستولى أصحابه من العرب والهساكرة على الدور، ووزر ليحيى يومئذ أبو محمد بن وانودين، وأبو يحيى بن زكريا بن يجلد، ودخل ابن وقاريط في أشياعه، ونزل بدار الوزير السابق أبي سعيد بن جامع، واقتسم الزعماء القصور والرباع الفخمة، وغلب ابن وقاريط والعرب على الخليفة الضعيف يحيى. وكان المسيطر عليه يومئذ فتى أفاق يدعى بلال ويكنى أبا حمامة، وأوقع بلال هذا بعلى أخي يحيى ووشى به، فأمر يحيى بالقبض عليه ثم إعدامه، بالرغم من شفاعة ابن وقاريط والخلط، وكثر الإرجاف، وساءت الظنون، وخرج الموحدون الذين كانوا بالمدينة، وغادروها تباعا بمختلف الوسائل والحيل، وساروا إلى الجبل، وانتظروا يرقبون الحوادث.
وكان دخول يحيى مراكش على هذا النحو في أواخر سنة ٦٣٢ هـ (١٢٣٥ م) فلبث بها حتى أوائل العام التالي، وكان الرشيد في تلك الأثناء بسجلماسة، ينظم شئونه، ويتخذ أهبته للمعركة المرتقبة. فلما شعر بعد بضعة أشهر بتحسن أحواله وازدياد قواته، واستجاب إلى نصرته عرب سفيان، وشيخهم جرمون بن عيسى، عول على التحرك والعمل. فخرج في قواته من سجلماسة، قاصداً إلى مراكش، وترامت هذه الأنباء إلى الحضرة، فسرى إليها الاضطراب، وخرج منها يحيى، وضرب محلته في ظاهرها استعداداً للقاء الرشيد، وقد تزايدت قواته بحشود حلفائه من الخلط وهسكورة.
وسار الرشيد في قواته أولا صوب وادي أم الربيع، ثم هبط منه نحو العاصمة، وهنالك في مكان يسمى أوجدام التقى الفريقان، ونشب بينهما قتال هائل، استمر طول اليوم دون حسم، ثم استؤنفت المعركة بعد بضعة أيام، ونشبت بينهما معركة عنيفة أخرى، انقض خلالها الروم من عسكر الرشيد، على ناحية