إلى جبال الموحدين في قاصية جبال الأطلس، فقبل الرشيد هذا الرأي، ولكن كان لابد لتنفيذه من أن يلتمس الرشيد له طريقاً للخروج والإفلات، من خصومه المتربصين به خارج الحضرة، ومن ثم لجأ الرشيد إلى الحيلة، فأمر بأن يكتب خطابان على لسان جرمون شيخ عرب سفيان، موجهان إليه، بانتصار عرب سفيان على الخلط، وأنهم مرابطون في وادي أم الربيع، وأنهم مازالوا على ولائه وطاعته. وقد كان عرب سفيان دائماً من أنصار المأمون وولده الرشيد، وكانوا من أعداء الخلط، ثم عهد بالخطابين المزورين إلى رسولين (رقاصين) أجزل لهما العطاء، وأمرا بأن يمرا قرب محلة الخلط، وأن يتظاهرا بأنهما قادمين من لدن عرب سفيان إلى الرشيد، فتمت الحيلة، وقبض الخلط على الرسولين، وضبط الكتابان، فقررا أنهما قدما من لدن جرمون، وأنه مقيم بحشوده في وادي أم الربيع، وخشى الخلط أن يكون قد وقع مكروه لباقى مواطنيهم، فقوضوا محلتهم خارج الحضرة، وساروا مع حلفائهم بني هسكورة صوب وادي أم الربيع (١).
وما كاد الخلط وحلفاؤهم يبتعدون عن الحضرة، حتى بادر الرشيد فجمع أمواله وعتاده ومتاعه، وغادر مراكش في أهله وولده، ووجوه دولته، وأشياخ الموحدين، واستخلف على المدينة أبا محمد عبد الله بن زكريا، وخرج في أثره كثير من الناس بأهلهم، ولحسن الطالع لم يتعرض له أحد في ذلك اليوم، فسار في أمن حتى وصل ومن معه إلى أغمات. ولما علم الخلط بما حدث بعد يوم أو اثنين، هرعوا في أثر الخليفة الفار، وحاصروه بأغمات مدى يومين، شغلوا خلالها بالبحث عن الأقوات والمؤن، وتحيل الرشيد من جهة أخرى في الخروج صوب الجبل، فنجح، ووصل إلى أطراف الجبل، قبل أن يفطن إلى ذلك خصومه، ثم بعث بجنده إلى تينملل، ولما أدرك الخلط ما حدث، ولم يجدوا أحداً بالمحلة، ارتدوا على أعقابهم إلى حيث أتوا.
وسار الرشيد، في قواته جنوبا، فاخترق بلاد هرغة، ثم اتجه شرقاً صوب سجلماسة، وكان واليها أرقم بن يحيى بن شجاع بن مردنيش، فامتنع، واستعد للمقاومة. ولكن طائفة من النصارى كانت بالمدينة، فتحت الأبواب وأعلنت الطاعة، فدخل الناس المدينة وأسعفوا بالأقوات، وهدأت الأحوال.
وكانت مراكش، منذ غادرها الرشيد، قد ساد بها الاضطراب والضيق،