للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهلكت الزروع، وتفاقم الضر بعيث طوائف العرب، ولاسيما عرب رياح، في أحواز مكناسة، وفاس، ونشوب المعارك المتوالية بينهم وبين زناتة، وأحيانا بينهم وبين بني مرين. وقد أوقع بهم بنو مرين ومزقوا جموعهم، واستولوا على أموالهم ودوابهم وسلاحهم، وكان بنو مرين يجوبون عندئذ سائر الأقطار الغربية، ويفرضون سلطانهم، على معظم القبائل والطوائف النازلة في تلك الأنحاء، ويقمعون أهل الشر والفساد، من العرب وغيرهم، ممن يعيثون في تلك المناطق فساداً، حتى أمنت السبل، واستقامت الأمور، وعلت كلمة بني مرين وهيبتهم، ودخل الناس في طاعتهم، وأخذوا في جباية الضرائب والمكوس، فاتسعت أحوالهم، وقويت شوكتهم، وغلب لديهم الرخاء والنماء (١).

وقد سبق أن تناولنا نشأة بني مرين، وخروجهم من منازلهم القفرة بوادي ملوية، إلى أنحاء المغرب، وما وقع بينهم وبين الموحدين، أيام يوسف المستنصر من المعارك، وكيف أنهم وصلوا في زحفهم داخل أنحاء المغرب حتى أحواز فاس، وكيف أنه لم ينقذ الدولة الموحدية يومئذ من خطر تقدمهم الداهم، سوى ما وقع بينهم من الشقاق الداخلى. وقد لبث بنو مرين في تلك الفترة التي اشتغلت فيها الخلافة الموحدية بحروبها الداخلية، يعملون على توطيد مركزهم، وتوسيع سلطانهم، والاندفاع غربا داخل أقطار المغرب، حتى أنهم فرضوا الإتاوة على مكناسة وغيرها من البلاد المجاورة، وكان أميرهم في الوقت الذي نتحدث عنه، هو أبو سعيد عثمان بن عبد الحق، ولم يكن الرشيد غافلا عن خطورة حلول بني مرين في تلك المنطقة الهامة من مناطق المغرب، ولكنه نظراً لازدياد قوتهم، كان يؤثر مصانعتهم وعقد السلم معهم.

ولما دخلت طنجة وسبتة في طاعة الرشيد، واستقامت الأمور نوعا في أواخر سنة ٦٣٥ هـ، عين الرشيد لولاية المناطق الغربية أبا محمد عبد الله بن وانودين. وكان ابن وانودين من خيرة زعماء الموحدين، وكان يمت إلى بيت الخلافة بصلة المصاهرة، إذ كان متزوجاً بالسيدة بنت يوسف المستنصر، وكانت له بذلك مكانة في الدولة. وكان قد وزر ليحيى المعتصم، ثم تركه ولحق بخدمة الرشيد، فولاه بلاد درعة في سنة ٦٣٢ هـ، ونجح ابن وانودين أثناء ذلك في استخلاص سجلماسة، من يد أرقم ابن مردنيش حسبما تقدم، فولاه الرشيد عليها، ثم عاد إلى مراكش في سنة ٦٣٤ هـ.


(١) البيان المغرب ص ٣٤٨، ٣٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>