للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما عين الرشيد ابن وانودين لولاية الغرب، عين معه في نفس الوقت أبا علي بن خلاص البلنسى لولاية سبتة، وعين للنظر على دار الصناعة أبا زكريا ابن مزاحم الكومي. وخرج ابن وانودين من مراكش في عسكر كبير، من الموحدين والمطوعة والعرب، وفوض له الرشيد النظر في أحوال البلاد، فسار أولا إلى بلاد غمارة، لينظر في شئونها، فثارت عليه بعض قبائلها، وكان عدد من هذه القبائل قد دخل في طاعة بني مرين. وكان الرشيد يعتمد على فطنة ابن وانودين، ولباقته في معالجته الأمور مع بني مرين بالكياسة والحسنى، وقد بعث معه بعض أحمال من الكسى الفاخرة برسم بني عبد الحق وأشياخ بني مرين، ولكن ابن وانودين ما كاد يصل إلى مقربة من أحيائهم، حتى بادرهم بالخصومة والعداء، وطالبهم برد الفارين إليهم من بني غمارة، فرفضوا، ووقع النزاع بين الفريقين، وانتهى إلى القتال بينهما، فأغار بنو مرين على محلة ابن وانودين، وقتلوا جملة كبيرة من أجناده، وعلم الرشيد بما حدث، فأمره بالاستقرار في تلك المنطقة، تحوطا لحركات بني مرين (١).

واستمر أمر بني مرين في تقدم، وأطاعتهم معظم القبائل في تلك المنطقة ومنها هوارة وتسولة ومكناسة، وصالحتهم بعض المدن على أموال معلومة، يؤدونها في كل عام، وكان منها فاس ومكناسة ورباط تازا وغيرها. وكان بنو مرين يرون، بعد أن ضعفت الدولة الموحدية، وعجز الخلفاء الموحدون عن ضبط البلاد، وخرجت معظم المدن والقبائل عن طاعتهم، وانتشرت الفوضى في معظم الأنحاء، أنهم غدوا أولى بالنظر في شئون الدين، وصون مصالح المسلمين وحمايتهم من العدوان والفوضى (٢).

وفي سنة ٦٣٧ هـ، وقيل في محرم سنة ٦٣٨ هـ (١٢٤٠ م) قتل أمير بني مرين أبو سعيد عثمان بن عبد الحق، اغتاله فتى من علوجه رباه صغيراً، ثم هرب هذا العلج إلى ابن وانودين. وقيل عندئذ أن ابن وانودين هو الذي حرضه على ارتكاب جريمته (٣). فخلفه في رياسة بني مرين أخوه الأمير أبو معرف محمد ابن عبد الحق. فأطاعه بنو مرين، ولكن خالف عليه أبناء عمومته بنو حمامة، وعاد


(١) البيان المغرب ص ٣٥٠ و ٣٥١.
(٢) روض القرطاس ص ١٩٢.
(٣) البيان المغرب ص ٣٥١، وروض القرطاس ص ١٩٢، والذخيرة السنية ص ٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>