للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشقاق القديم بين بني حمامة وبنى عسكر يمزق صفوفهم. وبعث ابن وانودين، بقلم كاتبه أبي الحسن السرقسطى إلى الرشيد، يعرفه بما تقدم من شئون بني مرين، وقد اغتر ابن وانودين بما حدث بينهم من شقاق، وأظهر المودة لبني عسكر وتحالف معهم، ونهض معهم بالفعل إلى مقاتلة بني عبد الحق (بني حمامة)، والتقى الفريقان على مقربة من سلفات، وخسر كل من الفريقين قتلى، وارتد ابن وانودين مع الموحدين وبنى عسكر، ونزل بظاهر مكناسة، واشتد في معاملة أهلها، وفرض عليهم المغارم الفادحة، لأنهم كانوا يدينون بطاعة بني عبد الحق، ثم سار إلى فاس ففعل بها مثل ما تقدم، ثم عاد إلى مكناسة، ونزل على مقربة من جبل زرهون الواقع في شمالها، ففر منه الناس في مختلف الأنحاء (١).

واجتمع بنو مرين حول أميرهم محمد بن عبد الحق، وانضمت إليهم حشود من زناتة، وغيرها، وساروا إلى مقربة من مكناسة واصطدموا هنالك بقوة من النصارى (الروم) كان ابن وانودين قد بعثها لحراسة تلك المنطقة ففتكوا بها، وعندئذ وضع ابن وانودين خطة لمهاجمة بني مرين، وسار في قواته من الموحدين والعرب وبنى عسكر، وتأهب بنو مرين للقائه. ونشبت المعركة بين الفريقين على قيد نحو ثمانية أميال من مكناسة، فقاتل بنو مرين بعنف وشجاعة، وفتكوا بالموحدين وحلفائهم، وحقت الهزيمة الفادحة على ابن وانودين، ومزق عسكره، من العرب وبنى عسكر، فلجأ ابن وانودين إلى مكناسة، وامتنع بها. واستولى بنو مرين على محلته، وسائر ما فيها من المتاع والدواب، ثم غادر ابن وانودين مكناسة في جملة من الخيل، ومعه ابنه أبو زكريا، وقصد إلى قصر عبد الكريم (القصر الكبير) حيث لحق هنالك بأسرته وامتنع به. ووقعت هذه الحوادث في أواخر سنة ٦٣٧ هـ (٢).

وكانت هزيمة ابن وانودين على هذا النحو، ضربة شديدة للخلافة الموحدية وكسبا جديداً لبني مرين زاد في قوتهم وفي هيبتهم، وامتد سلطانهم بذلك إلى جهة القصر الكبير، ومن فيها من عرب رياح، ودخل في طاعة الأمير محمد بن عبد الحق، من تخلف من قبائل بني مرين، وسائر قبائل غُمارة وغيرها، وأصبح


(١) البيان المغرب ص ٣٥٢.
(٢) البيان المغرب ص ٣٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>