للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنو مرين يتجولون في تلك الأنحاء سادة أحراراً، وجنح الرشيد إلى مهادنتهم، ومصانعتهم، وكانت بينه وبينهم مراسلات ودية.

وعلم ابن وانودين وهو في ملجئه بقصر عبد الكريم، أن كثيراً من أهل البلاد التي كانت تحت حكمه، قد كتبوا في حقه إلى الرشيد، وشكوا مما كان ينزله بهم من المظالم، واتهموه بأنه كان يقصد أن يحذو في منطقته حذو بني حفص، وأن يستقل بحكمها، وأن الرشيد قد صدق هذه الاتهامات، فغادر قصر عبد الكريم، وقصد إلى جبال الموحدين، وسار ليلا ونهاراً حتى وصل إليها، بالرغم من مطاردة بني مرين، وبقى لاجئاً إليها، حتى نمى إليه أن الرشيد، تحقق في النهاية من براءته مما نسب إليه، فعاد إلى مراكش، وأكرم الرشيد وفادته.

وفي سنة ٦٣٩ هـ (١٢٤١ م)، بطش الرشيد بوزيره وكاتبه أبي حفص ابن المومنانى، وكان من أكابر الدولة وأعلام الكتاب، وله عند الرشيد حظوة ومكانة رفيعة. ولكنه ارتكب زلة خطيرة حينما وجه خطابا خاصاً إلى صديقه السيد أبي حفص عمر بن عبد العزيز بن المنصور، يهنئه فيه بإسناد إحدى الولايات إليه، ويقول له في خطابه إنها " إن شاء الله ابتداء الخلافة "، وأخطأ الرسول، ودفع الخطاب إلى أهل القصر، فوقع في يد القائد أبي المسك، ودفعه أبو المسك إلى الرشيد، فلما وقف عليه الرشيد، أمر من فوره بقتل المومنانى والسيد أبي حفص، فنفذ أمره في الحال وهلك الرجلان ضحية عبارة طائشة (١).

بيد أنه لم تمض بضعة أشهر على ذلك الحادث الدموى، حتى هلك الرشيد نفسه. ذلك أنه خرج ذات يوم للتنزه في إحدى الرياض التي كان قد أنشأها بجوار القصر، وكانت توجد في تلك الروضة بحيرة صغيرة، أو صهريج وفقا لوصف المؤرخ، فنزل في هذه البحيرة مع بعض جواريه في زورق برسم التنزه، فانقلب الزورق بمن فيه، وغرق الرشيد ومات لوقته، وقيل إنه انتشل محموما من الماء، وحمل إلى القصر، وهنالك توفي بعد ثلاثة أيام. وكان غرق الرشيد في يوم الثلاثاء السابع من جمادى الآخرة سنة ٦٤٠ هـ (٢ ديسمبر سنة ١٢٤٢ م) فإذا أخذنا بالرواية الثانية، فتكون وفاته في اليوم العاشر من جمادى الآخرة الموافق ليوم ٥ ديسمبر. وفي رواية ثالثة ينقلها إلينا ابن عذارى عن مصادر مسندة عن حاجب الرشيد، أن الرشيد نزل بزورقه في الصهريج في ليلة باردة،


(١) البيان المغرب ص ٣٥٧.، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>