للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم خلع عمامته، فلما أزالها أصابته نزلة شديدة، فأخرج من الزورق، وحمل إلى قصره حيث توفي، في يوم الجمعة العاشر من جمادى الثانية سنة ٦٤٠ هـ (١). وكان الرشيد حينما توفي في الرابعة والعشرين من عمره، وقد استطالت خلافته أكثر من عشرة أعوام.

...

وكان الرشيد، كأبيه الخليفة المأمون، يتمتع بطائفة من الخلال القوية اللامعة، من الذكاء والجرأة، وحدة النفس، وقوة العزم، وبعد النظر، ولو لم ترغمه الحوادث على أن ينفق أعوامه العشرة في مقارعة خصومه، والدفاع عن عرشه، لكان لنا أن نتوقع منه خططا وأعمالا إنشائية أخرى، ربما كان لها أثرها في إنقاذ الدولة الموحدية، وإطالة حياتها. بيد أنه تولى العرش وحكم في ظروف سيئة، وكانت التيارات الخصيمة، قد سارت قدما في تقويض هيكل الدولة الموحدية، وتحطيم أسسها، ولم يكن باقيا منها سوى شبح باهت، يرتكز من الناحية المادية، على رقعتها الجنوبية. وكان من أهم ما عمله الرشيد لتقوية الدولة من الناحية المعنوية، هو استدعاء بقية الزعماء الموحدين إلى مؤازرته، بعد أن بطش بهم أبوه، ومزق شملهم، ولو أنه اضطر في سبيل ذلك إلى إعادة العمل برسوم المهدي الدارسة.

وقد وزر للرشيد، السيد أبو محمد عبد الله بن أبي سعد بن المنصور، وأبو زكريا بن أبي الغمر، وأبو عبد الله محمد بن عبد الله الجنفيسى، وأبو علي بن أبي محمد عبد العزيز، وذلك بالتعاقب، ثم تولى الجنفيسى مرة أخرى، وبالرغم من أن الرشيد لم يكن كأبيه المأمون أديبا ولا كاتبا، فقد استخدم لكتابته، عدة من أعلام كتاب العصر المغاربة والأندلسيين، مثل أبي زكريا الفازازى، وأبي عبد الله القباجى، وأبي عبد الله ابن أبي عشرة، وأبي عبد الله الفازازى، وأبي المطرِّف ابن عميرة المخزومي، وأبي الحسن الرُّعينى، وأبي عبد الله التلمسانى. وكان من هؤلاء من كتب لأبيه من قبل مثل أبي زكريا الفازازى، وأبي المطرف بن عميرة، وأبي الحسن الرعينى. وتصف الرواية الرشيد، بأنه كان فتى أزهر اللون، أشقر، كث اللحية، حسن القد، في وجهه نمش يسير (٢).


(١) البيان المغرب ص ٣٥٨. وفي روض القرطاس (ص ١٧١) والذخيرة السنية (ص ٦٤) أن وفاة الرشيد كانت في يوم الخميس التاسع من جمادى الآخرة.
(٢) البيان المغرب ص ٢٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>