للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أبو الحسن علي بن أبي العُلا إدريس بن يعقوب المنصور، وهو أخو الخليفة الراحل. وكان أكابر الدولة، وأشياخ الموحدين، قد اتجهوا أولا إلى اختيار ولد الخليفة المتوفى الصبي، فاعترض بعضهم على ذلك، وقالوا سئمنا خلافة الصغار، ولم يلتفت الجماعة في البداية إلى أبي الحسن على، أخي الخليفة، لأنه كان أسود، شديد السواد، ولد جارية نوبية، ولكن أبا محمد بن وانودين كبير أشياخ الموحدين، نهض فبايع السيد أبا الحسن، وكان موجوداً ضمن السادة من القرابة، وأقعده في مجلس الخلافة، فتتابع في أثره القرابة والأشياخ، وبايعوه، وبذا تم اختياره لكرسي الخلافة (١).

وتلقب الخليفة الجديد بالسعيد، وبالمعتضد بالله، ولكن غلب عليه اللقب الأول، وكان اختيار أبا الحسن للخلافة أمراً موفقاً، فقد كان بشخصيته القوية، وعزمه، وسطوته، أقوى رجل في الدولة، وكان وجوده في كرسى الخلافة في تلك الظروف العصيبة، التي تجوزها الدولة الموحدية، من العوامل المطمئنة المشجعة، الباعثة على الاستبشار والأمل.

واستوزر السعيد، السيد أبا اسحق بن أبي ابراهيم، وأبا زكريا بن عطوش، وأبقى في منصب الكتابة، الكاتبين البليغين، أبا الحسن الرعينى، وأبا عبد الله التلمساني.

وكان أول عمل قام به السعيد، هو أن قبض على جملة من أشياخ الموحدين، المعارضين لبيعته، وسجنهم، وأغرمهم أموالا، وسجن كذلك أم أخيه الرشيد، حبابة الرومية وأغرمها أموالا، وذلك اتقاء لشرها ودسائسها، ثم أخذ في مصانعة عرب الخُلط، واستدعى طوائفهم من بلاد السوس وغيرها، وقربهم، وأغدق عليهم صلاته، وكذلك استدعى زعماء العرب، من جشم وغيرهم، ليستظهر بهم، وكان شيخ سفيان كانون بن جرمون من أوثق حلفائه، ولم ينس كذلك أمر المرتزقة، وهم فرقة الجند " الروم " التي جلبها معه أبوه المأمون، فعنى بأمرهم أشد عناية، وكانوا يقيمون بكنيستهم التي بنوها في العاصمة الموحدية، ويشتركون في سائر حملات الخليفة الحربية (٢).

وفي بداية عهده خرج عليه عبد الله بن زكريا الهزرجى بسجلماسة، وكان


(١) البيان المغرب ص ٣٥٨ و ٣٥٩.
(٢) البيان المغرب ص ٣٥٩، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٦

<<  <  ج: ص:  >  >>