من المعارضين لبيعته، ودعا للأمير أبي زكريا الحفصى صاحب إفريقية، ومن جهة أخرى فقد حدثت بالمغرب الأوسط حوادث مقلقة حول تلمسان. وكانت تلمسان، كإفريقية، قد خرجت عن سيادة الموحدين، وقام على رياستها زعيم بني عبد الواد القوي يَغمُراسن بن زيان. ويجدر بنا أن نشرح ظروف هذا التحول في مصاير تلمسان. وذلك أنه على أثر غزوات ابن غانية للمغرب الأوسط وأحواز تلمسان، وتخريبه لهذه النواحي، نهضت قبائل زناتة الخارجة على الموحدين، وفي مقدمتهم بنو عبد الواد، وبنو راشد، وبنو توجين، ونفذوا إلى أحواز تلمسان والمغرب الأوسط، وكانت أمصار المغرب الشرقية، قد خربت من جراء غزوات ابن غانية، فلم تجد قبائل زناتة، الضاربة في المغرب الأوسط أمامها من الحواضر الغنية سوى تلمسان، تعيث في أحوازها، وتقوم بأعمال النهب والسلب المستمرة. وكان الموحدون قد عنوا بتحصين تلمسان، وتشييد أسوارها، حتى غدت من أمنع أمصار المغرب، ولكن ذلك لم ينجها من قدرها المحتوم. وكان آل زيان من بني عبد الواد من أقوى وأبرز بطون زناتة المغامرة، وكانت منازلهم تقع فيما بين البطحاء ووادي ملوية غربي تلمسان، وكان زعيمهم يَغمُراسن بن زيّان بن ثابت من أشد زعماء هذا الحى بأسا، وأعظمهم مكانة، وقد تولى رياسة قومه منذ سنة ٦٣٣ هـ، وانضم إليه بنو مظهر وبنو راشد الخارجان من قبل على قومه، ولم يجد يغمراسن صعوبة في الاستيلاء على تلمسان، وانتزاعها من حاميتها الموحدية الضعيفة، فجعل منها قاعدته، وجند الجند وتزيا بزى الإمارة، ومحا آثار الدولة المؤمنية، ولم يترك من رسومها سوى الدعاء للخليفة بمراكش، ووفد عليه من الأندلس لفيف كبير من شرقها، وعلى رأسهم ابن وضّاح، فأكرم وفادتهم، وقرب ابن وضاح وقدمه للشورى، ووفد عليه أيضاً أبو بكر بن خطاب وكان كاتبا بليغا، وشاعراً جزلا، فعينه لكتابته، ولاسيما في مخاطبته للخلفاء الموحدين، وأمراء تونس. وكان يغمراسن يتحرز من نيات بني عبد المؤمن وبنى حفص، وكذلك من أطماع بني مرين، وكان بينه وبينهم وقائع متعددة (١). ولكنه كان يرتبط مع البلاط الموحدي برباط المودة، وكان الرشيد يحبوه بصداقته، ويهاديه حتى لا ينحرف إلى محالفة بني مرين،