وكان عند جلوس الخليفة السعيد، قد بعث إليه بهدية من الخيل العتاق، وكتب إليه يعاهده على قتال بني مرين، فلما وقف الأمير أبو زكريا، أمير إفريقية على ذلك، خشى أن يعقد السلم كذلك بين يغمراسن وبنى مرين، ثم يقع التحالف بين الثلاثة على محاربة إفريقية، ورأى أن يبادر بالعمل لإحباط مثل هذه الخطة، ووفد عليه عندئذ بعض زعماء زناتة، وشجعوه في مشروعه، لغزو تلمسان وأخذها، وجمع كلمة زناتة بذلك، والتمهيد لخطته في الاستيلاء على ملك الموحدين. وقام الأمير أبو زكريا بأهبات عظيمة، وسار إلى تلمسان في جيش ضخم، ومعه عدد وافر من الرماة، وضرب حولها الحصار (أواخر سنة ٦٣٩ هـ) وضربها الرماة بشدة، فأدرك يغمراسن أنه لا أمل في المدافعة، وخرج من تلمسان في أهله وخاصته، فلما اعترضه الجند المحاصرون فتك بهم، وشق لنفسه طريقا، ولحق بالصحراء، ولجأ إلى جبل قريب، ودخل أبو زكريا تلمسان، وعفا عن أهلها، ولما بحث مع خاصته من الموحدين، في أمر من يوليه عليها، أشاروا عليه بتقديم يَغمُراسن، باعتباره أصلح من يقوم بأمرها، فاستدعاه، وأمنه، وولاه عليها وعلى أعمالها، وفق عهود وشروط معينة، وذلك لكي تغدو حاجراً بين مملكة إفريقية، وبين شمال المغرب، حيث أخذ سلطان بني مرين ينمو بصورة مزعجة، وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة ٦٤٠ هـ (أوائل ١٢٤٣ م)(١).
وعنى الخليفة السعيد أولا بأمر سجلماسة، وكان واليها الثائر يدعو بها للأمير أبي زكريا الحفصى، ويستجلب إليه العرب من كل صوب، وقد فوض إليه الأمير أبو زكريا الأمور، ووعده بالعون والإمداد، وكان جماعة من أشياخ الموحدين، ممن خشوا بطش السعيد وغدره، يعتزمون الفرار والالتجاء إلى سجلماسة، وكان السعيد قد خرج عندئذ في قواته من مراكش، ونزل في وادي تانسيفت على مقربة منها، واستطاع الفرار من أولئك الأشياخ، أبو زيد عبد الرحمن ابن زكريا الجدميوى، وابن واجاج، وأبو سعيد العود الرطب الهنتاتى، ولكن قبض على أبي عثمان سعيد أخي أبي زيد، وهو زعيم حركة التقرب الموحدي من الخلافة، وأمر السعيد بقتله، بعد أن استصفى سائر أمواله بمراكش. ولحق الزعماء الفارون بسجلماسة بعد جهد ومشقة، ونزلوا في كنف واليها الثائر، وسار
(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٧ وج ٧ ص ٨١، والبيان المغرب ص ٣٦١ و ٣٦٢، والذخيرة السنية ص ٦٤ و ٦٥، وتاريخ الدولتين للزركشى ص ٢١