للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو سعيد الهنتاتى إلى تونس، فتلقاه أميرها بترحاب وإكرام (١).

وكان والي سجلماسة عبد الله بن زكريا الهزرجي يجد عندئذ في الحركة والأهبة للمدافعة، والامتناع بمدينته الحصينة، وكان السعيد من جانبه ينوى أن ينكل بالثائر، وأن يسحق حركته، لتكون عبرة لأمثاله، فسار في قواته إلى درعة، فبعث إلى أشياخ سجلماسة بظهير يعدهم فيه بالاعتناء والتكريم، وعندئذ رأى أبو زيد بن زكريا الجدميوى فرصة سانحة للعمل والعود إلى الطاعة، فداخل قواد النصارى بالمدينة، وقام النصارى بالضغط على العرب، من حراس باب القصبة، واستطاع أبو زيد أن يدخل القصبة مع أشياخ سجلماسة، وأن يشحنها بالرماة والحماة، وفي الحال بعث إلى السعيد ينبئه بما حدث، فشكره السعيد أجزل الشكر، وعفا عنه، وحظى لديه، وقبض في تلك الأثناء على عبد الله بن زكريا، وساقه بعض العرب مصفدا إلى السعيد، فأمر بإعدامه، وأعدم بالرغم مما بُذل لإنقاذه من شفاعة وضراعة، وحمل رأسه وعلق على باب الكحول بمراكش. وعاد السعيد إلى الحضرة، دون أن يدخل سجلماسة، وذلك في سنة ٦٤٢ هـ (١٢٤٤ م) (٢).

ووقعت عندئذ حوادث أخرى تدلى بتفكك الدولة الموحدية، وتصدع هيبتها، ومن ذلك ما عمد إليه أبو علي بن خلاص البلنسى والي سبتة، من خلع طاعة الدولة الموحدية، وما عمد إليه أيضاً أهل إشبيلية بالأندلس، حيث خلعوا كذلك طاعة الدولة الموحدية، وذلك بتوجيه زعيمهم أبي عمرو بن الجد، واتجهت المدينتان سبتة وإشبيلية إلى مبايعة صاحب إفريقية، الأمير أبي زكريا الحفصى، وبعثت إشبيلية بيعتها إلى تونس مع وفد من كبرائها، وكذلك بعث ابن خلاص ولده ببيعته في سفينة خاصة ومعه هدية للأمير الحفصى، فغرقت السفينة بمن فيها، وذلك كله حسبما فصلناه في موضعه من قبل، أضف إلى ذلك ما كان من تقدم الدعوة المرينية في شمال المغرب، وزحف بني مرين باضطراد داخل الأقاليم المغربية.

ومن ثم فقد خرج السعيد في نفس العام - ٦٤٢ هـ - من مراكش مرة أخرى قاصدا إلى الأقاليم الغربية، ومعه حشود المصامدة والعرب والروم،


(١) البيان المغرب ص ٣٦٣ و ٣٦٤، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٧.
(٢) البيان المغرب ص ٣٦٦، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٧

<<  <  ج: ص:  >  >>