للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في جيش ضخم، تقدره بعض الروايات بعشرة آلاف فارس، والبعض الآخر بأكثر من عشرين ألفا. وهنا تختلف الرواية ويحيق الغموض بما تلا من تحركات السعيد، ذلك أنه يقال تمشياً مع هذه الرواية، أن السعيد زحف نحو بني مرين، واستعد بنو مرين بقيادة أميرهم أبي معرِّف محمد بن عبد الحق للقاء الموحدين، ووقع اللقاء بين الفريقين بموضع من أحواز فاس يسمى " أغلان " فنشبت بينهما معركة عنيفة، واستمر القتال حتى دخل الليل، وكان أمير بني مرين يتقدم جنده، فقصد إليه فارس من فرسان الروم يدعى خوان جايتان، وطعنه بحربته فسقط صريعاً، وانكشف بنو مرين، وطاردهم الموحدون فلحقوا بجبال غياثة على مقربة من أحيائهم، فامتنعوا بها، واختاروا للولاية عليهم مكان أميرهم القتيل، أخاه أبا يحيى أو أبا بكر بن عبد الحق، وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة ٦٤٢ هـ (أواخر ١٢٤٤ م) (١).

هذا ما يقوله لنا صاحب الذخيرة السنية وابن خلدون، ولكن توجد ثمة رواية أخرى هي رواية ابن عذارى، وهي أن السعيد حينما خرج في سنة ٦٤٢ هـ، إلى الأقاليم الغربية، قصد أولا إلى مدينة فاس، وأقام بها أياما، نظر في شئونها وعزل بعض عمالها وعين آخرين غيرهم، ثم غادر فاس إلى المقرمدة، ضاحيتها الشرقية مستطلعاً لأحوال بني مرين وأخبارهم. ثم يقول ابن عذارى أن جو المهادنة كان يسود بين الفريقين، وأنه وقعت بين السعيد وبين زعيم بني مرين الأمير أبي يحيى، مراسلات ودية، فارتد السعيد أدراجه إلى مراكش، دون أن يعكر صفو السلم بين الفريقين (٢). فهل يمكن أن يكون الصلح قد عقد بين السعيد وبني مرين، عقب هزيمتهم ومقتل أميرهم، وبذلك يمكن التوفيق بين الروايتين؟

على أن ما حدث بعد ذلك، من تصرفات بني مرين العدائية، ضد الدولة الموحدية، مما سوف نذكره بعد، لا يمكن أن يؤيد هذا الفرض.

وتتمة لأحداث سنة ٦٤٢ هـ، نقول إنه حدث في هذا العام أيضاً أن أمر السعيد بالقبض على أبي محمد بن وانودين، وهو كما تقدم قطب أشياخ الموحدين، وإليه يرجع الفضل في اختيار السعيد لكرسى الخلافة، وذلك دون أسباب واضحة، وقبض معه في نفس الوقت على أبي زكريا بن مزاحم، وأبي زكريا بن عطوش،


(١) الذخيرة السنية ص ٦٦ و ٦٧ وابن خلدون ج ٧ ص ١٧١ وكذلك روض القرطاس ص ١٩٣.
(٢) ابن عذارى في البيان المغرب ص ٣٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>