وأرسلوا جميعاً إلى أزمور، فسجنوا بها تحت حراسة قوية، ولكن ابن وانودين لم يستكن إلى محنته، وأخذ يدبر الحيلة في فراره، حتى أتيح له أن يشترى أحد حراسه، وأن يفر من السجن بمعاونته وتدبيره، وخرج من سجنه تحت جنح الظلام، فقصد إلى منازل عرب سفيان، فوصلها عند الصبح، وبعث معه زعيمهم كانون بن جرمون، لفيفاً من الفرسان، سار في صحبتهم، حتى وصل إلى جبال الموحدين، ولحق بقومه هنتاتة. ولما علم السعيد بما حدث أمر بضرب رقاب الحراس، وعلقت رؤوسهم على السور، كما أمر بالإفراج عن ابن عطوش وابن مزاحم، وبعث إلى ابن وانودين عشرة من وجوه الموحدين مع خاصته، فقصدوا إليه بتامزاورت وأبلغوه أسف السعيد لما حدث، وبزوال ما كان في نفسه، فأعرب ابن وانودين عن شكره للخليفة، ولكنه تمسك ببقائه في جباله، ليعيش بها مع أهله وولده، فوافق السعيد على مطلبه، وعاش ابن وانودين بتيفنوت حتى توفي (١)، وكانت محنة ابن وانودين هذه، مثلا بارزا، لما كان عليه البلاط الموحدي في ذلك الوقت، الذي غرب فيه نجم الخلافة الموحدية، من اضطرام بمختلف الأهواء العنيفة، والخيانات المزرية، التي لا يبررها أي باعث معقول أو أية مصلحة عامة.
ثم خرج على السعيد كانون بن جرمون وقومه عرب سفيان، وعاد إلى طاعته بالعكس عرب الخُلط وبنو جابر. وتحالف كانون مع الأمير أبي يحيى ابن عبد الحق، أمير بني مرين، وحشد بنو مرين حشوداً كبيرة، في منطقة الغرب، واجتمعت حولهم بنو راشد الزناتيين، وبنو وراو، وبنو سفيان. وأدرك السعيد خطورة هذه الحركة، فتأهب للحرب، ومنح الموحدين والجند بركاتهم وأعطياتهم التقليدية، واستدعى حشود العرب من بني جابر والخلط وغيرهم، وخرج من مراكش في قوات غفيرة، وسار موكبه وفقاً للترتيب القديم المأثور لدى بني عبد المؤمن، من تعاقب السادات والوزراء والأشياخ، وكان وزيراه يومئذ أبو زكريا بن عطوش الكومي والسيد أبو اسحق بن أبي ابراهيم. واستخلف على مراكش أخاه أبا زيد، وندب أخاه أبا حفص عمر واليا لسلا، واستمر سير الخليفة وجيشه، على هذا النحو شمالا، حتى منطقة تامسنا، وقد اجتمعت هنالك حشود بني مرين، تحت إمرة الأمير أبي يحيى، ومعهم حلفاؤهم الذين
(١) البيان المغرب ص ٣٦٨ - ٣٧٠، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٧