سبق ذكرهم، وذلك على مقربة من واسنات، وقد استعدوا للقتال.
ووقعت المناوشة الأولى بين الطلائع على شرب الماء، ففتك جند بني مرين بالمرتزقة النصارى، فلما علم السعيد بذلك، أمر بخوض المعركة، فاضطرم القتال بين الفريقين حتى جن الليل فافترقا. وفي اليوم التالي وقع بين أيدي الموحدين، عبد من عبيد بني مرين العارفين بأمورهم، وأخذ إلى السعيد، فذكر أن الأمير أبي يحيى قد اتفق مع حلفائه، على القتال في يوم معين، فاستعد السعيد للقتال، في اليوم المذكور، ووقع القتال فيه فعلا، وضاعف الموحدون جهودهم، حتى اضطر بنو مرين وحلفاؤهم، إلى الارتداد، وقصدوا إلى جهة الغرب. وهمَّ السعيد أن يطاردهم في اليوم التالي، لولا أن ترامى إليه أن كانون بن جرمون وعرب سفيان، قد غادروا الميدان، فخشى السعيد أن تكون هذه الحركة، موجهة إلى مراكش، على نحو ما حدث من قبل، من عرب الخلط، فترك مطاردة المرينيين، وسار في قواته جنوبا صوب مراكش.
ولكن كانون وقومه كانوا قد سلكوا طريقاً آخر، أقرب وأيسر منالا من الحضرة، هو طريق أزمُّور، فسار إليها كانون واستولى عليها، بمعاونة زعيمها علي بن يزيمر التامردى، ونهبها عرب سفيان وأغرموا أهلها أموالا، ولاسيما اليهود الساكنين بها، وكان واليها ابن معنصر الكومي، قد غادرها، وسار إلى تحية السعيد بتامسنا، ولما علم كانون برجوع السعيد من قتال بني مرين، غادر أزمور في حشوده، وسار إلى أحياء دُكالة. ووقف السعيد على وجهته فسار إليه، ودهمه هنالك، وفتك بقومه، وأفنى معظمهم، وفر كانون في فله القليل إلى الغرب، وبعث السعيد برؤوس قتلى سفيان إلى مراكش، فعلقت على سورها، ودخل السعيد أزمور، وعفا عن أهلها وقبض على ابن يزيمر، وأرسله مصفداً إلى مراكش، حيث قتل هنالك، ولم تحدد لنا الرواية تاريخ هذه الوقائع ولكن يبدو من المرجح أنها وقعت في أوائل سنة ٦٤٣ هـ (١٢٤٥ م)(١).
- ٢ -
لما تولى الأمير أبو يحيى بن عبد الحق، زعامة قومه بني مرين، كان أول ما فعله هو أن قسم مناطق المغرب، الواقعة تحت سيادة بني مرين، بين القبائل المرينية، وخص كل قبيلة بناحية منها لا تتعداها، ثم سار في أهله وحشمه وجنده
(١) البيان المغرب ص ٣٧٠ - ٣٧٣، وابن خلدون ج ٦ ص ٣٥٧