للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنزل فيما بين سلفات وجبل زرهون، شمالي مكناسة، فاضطرمت المنافسة القديمة بين أحيائهم، وخالف بنو عسكر مرة أخرى على أميرهم، وانحازوا إلى الموحدين، فحرضوهم علي بني عبد الحق. واهتم الخليفة السعيد، بنزول بني مرين، على مقربة من مكناسة، وضغطهم عليها، فسار في قواته مرة أخرى إلى فاس ونزل بها، وهنالك بايعته قبائل بني عسكر، وفاوض من جهة أخرى يَغمُراسن بن زيّان صاحب تلمسان، للانضمام إليه، فقدم عليه في قوة من الفرسان، ولكن هذه المحاولة في جمع خصوم بني مرين، انتهت بالفشل، لأن بني عسكر عادوا فنكثوا لرفض السعيد أن يطلق سراح رهائنهم، واضطروا إلى مهاجمة سرية من الحشم والروم، كان قد أرسلها إليهم مع مولاه عنبر لملاطفتهم، فقبضوا على أفرادها، حتى اضطر السعيد، إلى تسريح رهائنهم. ومن جهة أخرى فقد كان يغمراسن، زعيما لا تؤمن نياته، وخططه، فلم يلبث أن عاد في جنده إلى تلمسان (١).

ولما اشتد ضغط بني مرين على مكناسة، وقطعوا عنها المرافق والموارد، ولاح أنها أصبحت رهن مشيئتهم، ثار بها العامة، وقتلوا واليها الموحدي، وداخل الأمير يعقوب بن عبد الحق، أخو الأمير أبو يحيى، زعيم مكناسة أبا الحسن بن أبي العافية، على أن تقوم المدينة بمبايعة الأمير أبي زكريا الحفصى، وكان بنو مرين يومئذ يدينون إسما بطاعته، فتم الاتفاق على ذلك، وكتب كتاب البيعة كاتب الأندلس البليغ القاضي أبو المطرِّف بن عميرة، وكان يشغل يومئذ منصب القضاء بمكناسة. وقد أورد لنا ابن عذارى نص هذه البيعة بأكمله، وهي طويلة ومؤرخة في يوم الجمعة ٢٠ ربيع الأول سنة ٦٤٣ هـ (٢)، فسر أمير إفريقية الحفصي لذلك، وأقطع ثلث جباية المدينة للأمير يعقوب بن عبد الحق.

وكان لذلك أبلغ وقع في البلاط الموحدي، وقد بدا له عندئذ روعته، لما أصاب الإمبراطورية الموحدية الكبرى من التمزق. فقد خرجت جزيرة الأندلس من حوزة الموحدين، واستقل بها ابن هود وابن الأحمر، ثم أخذ يلتهمها العدو المتربص بها. قاعدة فأخرى، وقد انفصلت إفريقية، واستقل بها بنو حفص، وخرجت سبتة عن الطاعة، وغلب بنو عبد الواد على تلمسان وأحوازها، وتوغل بنو مرين في أعماق المغرب، وغلبوا على معظم أنحائه الغربية، ثم استولوا


(١) الذخيرة السنية ص ٦٨ - ٧٠، وابن خلدون ج ٧ ص ١٧١ و ١٧٢.
(٢) يراجع نص هذه البيعة في البيان المغرب ص ٣٧٣ - ٣٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>