للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورائه يغمراسن نفسه، وابن عمه يعقوب بن جابر. ولما سقط الخليفة الموحدي صريعاً، وقبل أن يلفظ أنفاسه، انحنى عليه يغمراسن وحياه، وأقسم له على براءته من مصرعه، ثم فاضت روح السعيد، وأمر يغمراسن بتكفينه وغسله، ثم حمل فدفن بمكان يعرف بالعباد خارج مدينة تلمسان، وانتهبت محلة السعيد، واستولى بنو عبد الواد على سائر ما فيها، وتفرق عسكره أيدي سبا، وارتدت فلولهم مسرعة إلى مراكش. ووقعت تلك النكبة المروعة. في يوم الثلاثاء آخر صفر سنة ٦٤٦ هـ (٢٣ يونيه ١٢٤٨ م) (١).

وهكذا هلك الخليفة أبو الحسن على السعيد فجأة، وبصورة لم يكن يتوقعها أحد، وهو في إبان ظفره وطموحه، وقد كان حريا أن يسير في قواته الجرارة صوب إفريقية، وأن يفتتحها، وقد لاح مدى لحظة أن الخلافة الموحدية، قد نهضت من سباتها، وتداركت عثرتها، وأنها أضحت على وشك الظفر بخصومها، واسترداد كامل سلطانها، وكان يبدو أن ما يتصف به السعيد، من العزم والصرامة وقوة النفس، كانت كفيلة بتحقيق هذه الغاية الضخمة، بل لقد بدا أنها بدأت تتحقق بالفعل. حينما زحف السعيد في قواته الجرارة للقاء بني مرين، وحينما رأى بنو مرين، وهم أقوى وأخطر خصوم الخلافة الموحدية، أن ينحنوا أمام عزم السعيد وقوته، وأن ينسحبوا من معظم الأراضي، التي كانوا يحتلونها من أنحاء المغرب. ولو أتاح القدر للسعيد فرصته، ولو لم يسقط صريعا على هذا النحو المفاجىء، لكانت أمامه ثمة فرصة، بل فرص سانحة، لتحقيق برنامجه الضخم، في إقالة الدولة الموحدية من عثرتها، واستردادها لسابق تماسكها ومنعتها.

وتنوه الرواية بعزم السعيد، وهمته، وشجاعته، وتقول لنا إنه كان مهابا ذا إقدام ونجدة في الحروب، فاق بها من تقدم من آبائه، وهذا ما تدلى به في الواقع أعمال السعيد وحملاته الحربية المتوالية. وتصفه الرواية بأنه كان أسمر شديد السمرة، تام القد، معتدل القوام، سبط الشعر، مليح العينين (٢).


(١) الذخيرة السنية ص ٧٨، والبيان المغرب ص ٣٨٧ و ٣٨٨، وابن خلدون ج ٦ ص ٥٨ وج ٧ ص ٨٢، وروض القرطاس ص ١٠٢، وهو يقدم إلينا مصرع السعيد في صورة حادث استكشاف خاص قام به السعيد في شعب الجبل، ففاجأته جماعة من بني عبد الواد، ومعهم يغمراسن، فقتلوه.
(٢) روض القرطاس ص ١٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>