للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عام ٦٤٣ هـ (١)، ولا تناقض بين الروايتين.

وتحرك السعيد بعد ذلك إلى فاس، ونزل في ظاهرها، وخرج إليه أشياخها وفقهاؤها يؤدون له التحية، فأكرم وفادتهم، ولكنه لم يدخل المدينة. ثم غادر فاس في التاسع عشر من المحرم سنة ٦٤٦ هـ، وسار متجهاً إلى تلمسان، حتى إذا ما فرغ من أمرها، زحف على إفريقية. وكان مما يلقى ضوءاً على مشروع الموحدين نحو إفريقية، تقربهم من بلاط صقلِّية، وسعيهم إلى التحالف معه. وكان فردريك الأول ملك صقلية، قد أرسل إلى الرشيد سفارة وهدية، ولكنه توفي قبل وصولها، فاستقبلها أخوه السعيد، وبعث السعيد إلى ملك صقلية بدوره هدية، وعهد إلى رسله، بأن يبلغوه رغبته في معاونته له بأساطيله في البحر ضد إفريقية (٢). هذا ولما وصل السعيد بحشوده، إلى مقربة من تلمسان، وكان من جملة عسكره فرقة من خمسمائة فارس من بني مرين، أمده بها الأمير أبو يحيى وفقاً لعهوده، بعث إلى يغمراسن بن زيان صاحب تلمسان، يطلب إليه لقاءه والدخول في طاعته، فبعث إليه يغمراسن وزيره الفقيه عبدون، مؤكداً الطاعة، ومعتذراً عن قدومه، وأنه مستعد لأن يرسل إليه جملة وافرة من بني عبد الواد ليحاربوا تحت رايته. وكان يغمراسن قد غادر عندئذ تلمسان في أهله وولده وخاصته، ولجأ إلى قلعة تامزجدرت أوتامجردرت، الواقعة جنوبي مدينة وجدة، وامتنع بها، فألح السعيد في وجوب مقدم يغمراسن إليه بنفسه. ولما أصر يغمراسن على موقفه، عول السيد على مطاردته وقتاله، فسار إلى قلعة تامزجدرت حيث امتنع، وكان الوصول إليها خلال شعب وأوعار ضيقة، قد كمن بها بنو عبد الواد. فأشار على السعيد وزيره ابن عطوش وغيره أن يحذر من سلوك تلك المضايق، فأبى وأصر على اقتحام القلعة، وسار في جانب من قواته، وأمامه وزيره راجلا، شاهراً سيفه، فلما توسط الموحدون تلك الأوعار، انقضت عليهم، من الجبل، كمائن بني عبد الواد، بمنتهى العنف، فقتل الوزير ابن عطوش في الحال، وتلاه سيده السعيد فسقط صريعاً من فوق فرسه، ومُزق الموحدون شر ممزق، وارتدت فلولهم صوب المحلة الموحدية، فساد بها الرعب والفزع، وكان الذي قتل السعيد فارس يدعى يوسف بن عبد المؤمن الشيطان، وكان يكمن أسفل الجبل، ومن


(١) ابن عذارى في البيان المغرب ص ٣٧٨ و ٣٧٩.
(٢) البيان المغرب ص ٣٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>