للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو بعبارة أخرى هو ابن أخ للخليفة يعقوب المنصور، وعم للمأمون والد السعيد. وكان من قبل والياً لأغمات، ثم عينه السعيد لولاية سلا ورباط الفتح. وعقدت له البيعة بجامع المنصور، في أوائل شهر ربيع الأول، وحمل كتابها إليه الحاكم ابن أصلماط، وكان مقبلا من سلا إلى تامسنا، في طريقه إلى الحضرة، مع بعض أشياخ الموحدين والعرب، فتلقى البيعة، وضربت له في الطريق قبة، قرئت فيها البيعة، وبايعه فيها من حضر، وذاع الأمر بين الناس. ثم نظم لركوبه موكب خلافى، سار فيه بعض السادة والوزراء والقرابة، وبعض حشود العرب والخدم، واستمر الموكب في سيره حتى قرب من العاصمة، فخرج إليه عندئذ أشياخ الموحدين، ومعهم الخيل والأجهزة والكسى، والطبل والبنود، فنزل الخليفة أولا بالبحيرة، ثم دخل الحضرة في موكبه الفخم، واجتمعت الناس على طاعته (١).

وتلقب الخليفة الجديد بالمرتضى لأمر الله. وكان كهلا في نحو الخمسين من عمره، هادئ الطبع، شديد الورع، قليل الأطماع. وكان أول ما قام به أن قدم أبا محمد ابن يونس للوزارة، ثم قدم لها أخاه السيد أبا اسحق، عندما وفد إليه من سجلماسة، وعين يعقوب بن كانون شيخاً لعرب بني جابر، وعمه يعقوب بن جرمون شيخاً لعرب سفيان، وأقر كلا منهما على بلاده. وكان في مقدمة أعماله أيضاً أن قبض على حاشية السعيد وخدمه، ولاسيما صاحبه ابن المسك، وسجن الحرّة عزونة أخت السعيد، واقتضى منها أموالا فادحة (٢).

وكانت خلافة المرتضى، التي استطالت نحو تسعة عشر عاما، هي الفترة القاتمة التي تم فيها تفكك الإمبراطورية الموحدية، الذي مهدت إليه حوادث الحقبة السابقة، منذ انسلاخ إفريقية، وانهيار الأندلس، واستقلال تلمسان. ثم عجل بوقوعه، استمرار الحروب الأهلية بين الموحدين من جهة، واشتداد ساعد بني مرين من جهة أخرى. وسوف نشهد منذ الآن فصاعداً، كيف تتساقط أشلاء الإمبراطورية الموحدية الباقية، واحداً بعد الآخر، والخلافة الموحدية عاجزة عن أن تتدارك أية ضربة، من الضربات القاصمة الموجهة إليها. وقد ترتب على مصرع الخليفة السعيد، في الناحية الأخرى، أعني ناحية بني مرين، نتائج هامة. ذلك أن الأمير أبا يحيى بن عبد الحق أمير بني مرين،


(١) البيان المغرب ٣٨٩ و ٣٩٠، وروض القرطاس ص ١٧٣.
(٢) البيان المغرب ٣٩١، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٨

<<  <  ج: ص:  >  >>