للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما كاد يقف على مصرع السعيد وتبدد جيشه، حتى نهض للعمل. وكان قد عقد الصلح مع السعيد وأمده بشطر من فرسانه، ضد بني عبد الواد أصحاب تلمسان، وأعطاه رهائن من قومه، أودعها السعيد برباط تازا. فلما انتهى السعيد وجيشه الجرار، سار أبو يحيى في قواته فوراً صوب تازا، وكان واليها هو السيد أبو علي، أخو السيد أبي العلا إدريس المسمى بأبي دبوس وهو الخليفة المستقبل، فبعث إلى أبي يحيى يطلب الاجتماع به، ولما اجتمعا تعهد أبو يحيى بأن يعمل على صون أهل تازا، وحمايتهم من كل أذى. وعندئذ غادر السيد أبو علي تازا بأهله وولده ومتاعه، ودخلها أبو يحيى وبنو مرين، وبايع أهل تازا وسائر أحوازها للأمير المرينى، وكانت تازا أول مدينة مغربية استولى عليها بنو مرين من أيدي الموحدين وذلك في أوائل شهر ربيع الأول سنة ٦٤٦ هـ (يوليه ١٢٤٨ م) (١).

ولم تمض على ذلك أسابيع قلائل، حتى وقعت الخطوة الثانية، في تقدم بني مرين داخل الإمبراطورية الموحدية، وكانت أخطر وأبعد مدى. ذلك أن الأمير أبا يحيى، ما كاد يرتب شئونه برباط تازا، ويرتب بها رسوم الإمارة، حتى سلمها لأخيه الأمير أبي يوسف، ثم غادرها وسار في قواته غربا صوب مدينة فاس، وهي العاصمة الثانية للإمبراطورية الموحدية، وافتتح في طريقه مدينة أجرسيف، وسائر حصون وادي ملوية (٢). ثم نزل قبالة فاس معتزماً فتحها، وضرب حولها الحصار وقطع علائقها مع الخارج، فاشتد بأهلها الضيق، وطلبوا إلى أشياخهم مفاوضة الأمير أبي يحيى، وكان واليها الموحدي يومئذ هو السيد أبو العباس بن أبي حفص، وكان عاجزاً عن أي دفاع ولم يتلق أية نجدة، ولم يكن لديه سوى مائتي جندى من الروم، وفدوا إلى المدينة عقب مصرع السعيد، مع قائدهم شديد. ويقول لنا ابن عذارى إن هذه الفرقة من الروم دافعت وقت الحصار ضد بني مرين دفاعا شديداً، واضطر أشياخ المدينة نزولا على ضغط أهلها، أن يتقدموا إلى أبي يحيى بطلب الصلح، فتلطف أبو يحيى بهم، وتعهد لهم بحسن النظر، وإقامة العدل وحمايتهم، وكف الأذى عنهم، فتقبلوا عهده، وبايعوه على الطاعة، بالرابطة الواقعة خارج باب الشريعة، وكان في مقدمة من بايعه كبير فقهاء مراكش، الشيخ الورع أبو محمد الفشتالي، وسائر


(١) البيان المغرب ص ٣٩٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٢، وروض القرطاس ص ١٩٥.
(٢) الذخيرة السنية ص ٧٩، وروض القرطاس ص ١٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>