للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقهاء والأشياخ، وأخلى القصبة، والي الخليفة الموحدي، السيد أبو العباس، وغادرها في أهله وولده، وأمنه أبو يحيى، وأعطاه خمسين فارساً يحرسونه حتى وادي أم الربيع، ثم دخل أبو يحيى مدينة فاس في اليوم السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة ٦٤٦ هـ، وذلك بعد وفاة الخليفة السعيد بنحو شهرين (١).

ولبث الأمير أبو يحيى بفاس أكثر من عام، وهو ينظم الشئون، ويضع القواعد والرسوم، لحكم مملكة بني مرين، التي أخذ طالعها يتألق في الأفق. وكانت الوفود تترى عليه من كل صوب، متقدمة لبيعته، والانضواء تحت رايته، وقد عم في سائر المنطقة جو من الهدوء، والاستبشار بالدعة والخير، بعد أن طال عهد الاضطراب والفوضى، فأمنت السبل، ونشط التعامل، وأخذ الناس في الحرث والعمارة والاستقرار. وكان استيلاء بني مرين على تلك المدينة العظيمة - حاضرة المغرب العلمية التالدة - وهي التي غدت فيما بعد، عاصمة لمملكتهم الزاهرة، بداية النهاية في خاتمة الدولة الموحدية. وفي شهر رجب سنة ٦٤٧ هـ، غادر الأمير أبو يحيى فاس، بعد أن استخلف عليها مولاه المسعود ابن خرباش الحشمى، وخرج إلى بلاد فازاز وما يليها، يعمل على إخضاع قبائلها وتحصيل الجباية منهم، ولكنه ما كاد يبتعد عن فاس حتى أخذ بعض زعماء المدينة من الموحدين، وغيرهم من المعارضين، يحاول قلب الأوضاع الجديدة، والعود إلى طاعة الخلافة الموحدية، وخاطب أولئك المعارضون قاضي المدينة أبا عبد الرحمن المغيلى، في خلع أبي يحيى وقتل نائبه المسعود، وطرد أنصاره من المدينة، وعبثا حاول القاضي أن يردهم عن مشروعهم، فنظموا مؤامرتهم على ما رتبوه، من خلع أبي يحيى وقتل نائبه، وإعادة البيعة للخليفة المرتضى، وتفاهموا مع قائدى جند الروم الذين بالقصبة، وهما شديد وزنار، وكان أبو يحيى قد تركهم على ما كانوا عليه (٢). وفي رواية أخرى أنه كان قد حبسهم عند دخول فاس (٣). وعلى أي حال فقد كان قواد الجند الروم مع المتآمرين، وكانوا بطبيعتهم من أولياء


(١) الذخيرة السنية ص ٧٩، وروض القرطاس ص ١٩٥، وابن خلدون ج ٧ ص ١٧٤. ويضع ابن عذارى دخول أبي يحيى فاس في ١٨ ربيع الآخر سنة ٦٤٦ هـ (البيان المغرب ص ٣٩٣).
(٢) الذخيرة السنية ص ٨٢.
(٣) البيان المغرب ص ٣٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>